التواصل التقني يستمر حول قانون الانتخاب والتعقيد في الحسابات السياسية

باستثناء الزيارة التي قام بها النائب وليد جنبلاط لرئيس مجلس النواب نبيه بري والزيارة الاخرى التي قام بها وفد من "اللقاء الديموقراطي" لبكركي، فإن الايام القليلة الماضية بدت كأن تطوراتها دفعت بقانون الانتخاب الى المرتبة الثانية من الاهتمام، خصوصا مع عدم حصول اجتماعات واضحة حول هذا الموضوع. لكن مصادر سياسية تكشف أنه على رغم ان اتصالات او اجتماعات مهمة او مقصودة لا تبدو جلية او تحصل واقعيا، فإن التواصل مستمر بين كل الاحزاب والتيارات من دون تمييز او تفرقة. وهذا التواصل يحصل تحديدا على مستوى الخبراء والتقنيين الحزبيين في شكل حصري، الى جانب مراكز دراسات وابحاث ترفدهم بمعطياتها. لكن في الوقت نفسه، التعقيد الذي لا يزال قائما، إنما لا يزال على المستوى السياسي وليس التقني، لان كل فريق من الافرقاء السياسيين ليس ضامنا ما يود الحصول عليه من القانون العتيد، علما أن الزعيم الاشتراكي قد يكون الأكثر صراحة في موضوع وحدة الشوف وعاليه والمحافظة على حصة الدروز في ظل السعي المقابل من الثنائي المسيحي لانتزاع المقاعد المسيحية من حصة الحزب الاشتراكي، بما يخشى أن يؤثر على وحدة الجبل والشركة المسيحية - الدرزية فيه، وفق ما برز في المشروع المختلط الذي نسبت أبوته الى وزير الخارجية جبران باسيل. والواقع أن هذا المشروع سقط من رفض الثنائي الشيعي الذي لن تناسبه أكثرية مسيحية بأكثر من 50 نائبا في المجلس العتيد، وهو امر يخشى ان يؤشر الى ان اي قانون يمكن ان يتيح ذلك لن يكون مقبولا.


تتحدث بعض المعلومات عن أن النائب جنبلاط تقدم في ما يطرحه، أي القانون الاكثري المعدل، خطوة في اتجاه النسبية بحيث لا يمانع في بعضها على قاعدة الانطلاق من وحدة الشوف وعاليه، وهو الامر الذي يعني بالنسبة اليه إدخال تعديلات على القانون النافذ بما يمكن أن يرضي الافرقاء الآخرين، علما أن اتخاذ جنبلاط خطوة في اتجاه النسبية يترافق مع ما هو ابعد منه وفق ما تقول مصادر سياسية. وإذا كان الجميع صادقين في تطوير النظام السياسي في البلد، فيذهب الجميع مباشرة بعد هذه الانتخابات الى إعداد مشروع قانون لمجلس نيابي خارج القيد الطائفي والشروع في قانون انشاء مجلس للشيوخ. لكن الاتجاهات السياسية ليست نهائية بعد، ويتحتم على الحكومة ان تأخذ الامر في عهدتها وتتولى اعداد قانون انتخاب ترسله الى مجلس النواب انطلاقا من ان هذا ما ورد في البيان الوزاري للحكومة. ورئيس المجلس النيابي يصر على هذه النقطة من باب انها مسؤولية الحكومة، علما ان البعض يقول ان الامر منطلق من تحمل الرئيس سعد الحريري المسؤولية في هذا الاتجاه، فلا يلغي دور الحكومة على هذا الصعيد خصوصا متى كان جميع الافرقاء مشاركين في مجلس الوزراء. وليس واضحا تماما الاسباب التي تحول دون ذلك فتعطي صورة اجتماع الحكومة انطباعا ايجابيا عن مدى المناقشة الجدية. يضاف الى ذلك ان اللجنة الرباعية غير قابلة للحياة، وتلقت انتقادات كثيرة بعدما فشل المشروع الذي أفرزته اجتماعاتها، وليس من مسؤولية رئيس الجمهورية ان يتحمل عبء جمع الافرقاء السياسيين للحوار او التواصل للاتفاق على قانون جديد للانتخاب، وقد تفجرت في بداية عهده ازمة الوصول الى قانون الانتخاب العتيد في الوقت الذي كان يفترض بالافرقاء النجاح في ذلك على طاولة الحوار، تجنبا لان يبدأ الرئيس الجديد للجمهورية وكذلك الحكومة العهد بهذه المشكلة.
ومع أن إجراء الانتخابات بات حكما في الخريف المقبل، على رغم احتمال دعوة الهيئات الناخبة الاسبوع المقبل وفق ما هو مفترض، فإن المصادر السياسية المعنية لا تبدو متشائمة بالتوصل الى تسوية في قانون الانتخاب، لأن لبنان لا يتحمل عدم اجرائها محليا ولا امام الخارج، تماما كما لا يتحمل التمديد للمجلس النيابي خصوصا بعدما ظهر واضحا ان الذهاب الى الفراغ ليس خيارا في ذاته لا ممكنا ولا مقبولا على كل المستويات، علما انه أخرج من التداول. وإذا كان جنبلاط خطا خطوة في اتجاه القبول بنسبية معينة، فإن الآخرين سيخطون خطوات في المقابل او يتحتم عليهم ذلك. وهكذا يرضي القانون العتيد كل الافرقاء بدءا من الثنائي الشيعي الذي يصر على النسبية ويناسبه ان يرى شيئا منها في الانتخابات المقبلة. وترى المصادر المعنية ان الاتجاه الى اتفاق مقبول مرحليا لا يكسر احد من خلاله احدا في البلد هو من مصلحة الحزب الذي يفكر استراتيجيا وليس تكتيا، ولا يمكنه الذهاب الى المرحلة المقبلة بتحدّ او بخلاف مع الطائفة السنية والطائفة الدرزية ونصف المسيحيين، خصوصا مع ادارة اميركية جديدة برئاسة دونالد ترامب دحضت حتى الان رهانات فريق "الممانعة" وفرحه باطاحة هيلاري كلينتون. فاذا كان الحزب يرفض ان يتخلى عن المقعد الماروني في بعلبك الهرمل وعن المقعد الارثوذكسي للحزب القومي في راشيا وعن المقعد الكاثوليكي في كتلة الرئيس بري، فإن معيار انتزاع المقاعد المسيحية من كتلة النائب جنبلاط وكتلة الرئيس سعد الحريري لن يكون مناسبا. وترى هذه المصادر ان حسابات الثنائي المسيحي يفترض ان تراعي حصتهما مع تحالفات أخرى تعزيزا للشركة وليس بعيدا منها خصوصا ان حصتهما لن تكون ممكنة من دون التحالفات في الجبل الذي لن يود ان يشهد تجربة الرئيس كميل شمعون في الجبل العام 1957 او بعيدا من الافرقاء المسيحيين الآخرين الذي يشكل الخلاف معهم داخل البيت المسيحي قلقا للكنيسة المارونية.


rosana.boumonsef@annahar.com.lb