منصور لبكي قاوم الشر وغلبه باللحن والترنيمة "تيلي لوميير" دعت أصواتاً ملائكية أنشدت آيات منه

مي منسى

كم أمعنوا فيه تلطيخاً وتجريداً من رسالته الكهنوتية، كم حاولوا إسقاط نجمته من عليائها، وظلّ الأب منصور لبكي متعالياً فوق الشر، يتطلّع إلى المصلوب ويقول له: "أنا لست أفضل منك".


باحتجابه عن حياة الناس، جعل منصور لبكي كهنوته على مذبح الكتابة الرسولية، ألحاناً وترانيم من وحي الجلجلة والقيامة. فحبّة القمح التي زرعها في حقول يتامى الحرب أعطت من سنابلها كهنة وجنوداً وعائلات تربّي البنين على تعاليمه وأناشيده. أما وقد رأى الشر بأظفاره يحاول تدمير ما صنعه بالحب والعطف والترفّع عن صغائر الدنيا، فقد إلتفت إلى المصلوب وسلّمه قضيّته، ومن جراحه المسفوكة غمس ريشته وكتب، والكلمة في سكبها من أعماق روحه تصل إلى بدن الورقة متوهّجة بالنغم. ففيما الحقد والبغض ساريان في محكمة الكذب والتلفيق، كان المرتّلون في ذلك الصباح الميلادي ينشدون من إرسال مباشر في "تيلي لوميير" ترنيمة "ليلة الميلاد يمّحى البغض، ليلة الميلاد ينبت الحب".
في ذلك الصباح لم يتّسع الوقت لكل الكنز النابض بالحب والأيمان، هذا الكنز الذي أصبح أكثر فأكثر دفقاً وإلهاماً، مذ لمس لبكي الشر عن كثب كوحش كاسر كشّر على أنيابه للإيقاع به في الخطيئة. أمّا هو فظلّت علامات الرضى في قطرة الدم التي كانت تسقط من جراح المصلوب فتتلقّاها ورقته، كلمة، قصيدة، لها مذاقها الطيّب، مصحوبة بالنغم الطالع من صميم الألم الشافي.
مع الأب منصور لبكي سرنا في هذا الحقل المزروع بسنابله، لا يعطش ولا ييبس ما دام هذا الرسول مستمرّاً في إيمانه بذات سلام لا يفنى.