الخلاف على قانون الانتخاب يخفي صراعاً على الأكثرية ومن سيفوز بها؟

اميل خوري

لو لم يكن مجلس النواب الحالي قد انتخب رئيس الجمهورية، لكان الخلاف على قانون الانتخابات أشد والتنافس بين الأحزاب أكثر حدة والتحالفات فوضى. أما وأن المجلس انتخب الرئيس فيمكن القول إن الانتخابات النيابية المقبلة فقدت جزءاً من أهميتها، وأضحى الخلاف على قانون الانتخاب يخفي صراعاً على أكثرية المقاعد النيابية ومن سيفوز بها ولمن ستكون.


لذلك لا سبيل الى معرفة من سيفوز بهذه الأكثرية ما لم يُعرف أي قانون ستجرى على أساسه، وأي تحالفات ستعقد لأن لكل قانون حسابات ونتائج سيكون لها أهميتها، فمن يفوز بأكثرية المقاعد في مجلس النواب المقبل ستكون له الكلمة الوازنة في تسمية رئيس الحكومة وتسمية الوزراء والحقائب وفي إقرار المشاريع المهمة في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب. فلا بد إذاً من معرفة أي قانون ستجرى الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه لمعرفة من قد يفوز فيها بأكثرية المقاعد النيابية ومن ستوالي هذه الأكثرية أو تعارض، إلا إذا ظلت الأقلية هي التي تتحكم بالأكثرية كما هي الحال منذ العام 2005 الى اليوم بذريعة تحقيق "الشركة الوطنية" والحؤول دون استئثار فئة باتخاذ القرارات المهمة، فتفقد عندئذ نتائج كل انتخاب نيابي أهميتها عندما تساوي بين الرابح والخاسر منها وتجمع الأضواء في حكومة واحدة فاشلة وغير منتجة، لا لشيء سوى أن تسمّى وإنْ كذباً حكومة "وحدة وطنية".
أما إذا خرج العهد الجديد من سياسة تأليف حكومات وحدة وطنية ثبت فشلها وقلّة انتاجها، فإنه يصبح للأكثرية النيابية التي تأتي بها نتائج الانتخابات دور وأهمية، كما يصبح للأقلية أيضاً دور وأهمية، أي المعارضة ومحاسبة الحكومة وكل وزير فيها كلما أخطأ أو ارتكب مخالفات دستورية أو قانونية أو مالية، لا أن تفقد هذه الأقلية دورها هذا إذا اصبحت ممثلة في الحكومة مع الأكثرية، فتتكرر معها سياسة "مرّقلي لمرّقلك" التي شكا منها الرئيس تمام سلام في الحكومة الحالية.
الى ذلك، يمكن القول إن الأكثرية النيابية التي تفوز في الانتخابات المقبلة يكون لها دورها المهم إذا عاد العهد الجديد الى تطبيق "الديموقراطية العددية" وليس "الديموقراطية التوافقية" - بدعة قوى 8 آذار - لكي تحل في تطبيق هذه الديموقراطية محل الوصاية السورية التي كانت حاكمة بأكثرية هي أكثريتها، أو بأكثرية وأقلية ولا من يحاسب.
إن الأكثرية النيابية المقبلة اذا اعتمدت تطبيق "الديموقراطية العددية" التي طبقها لبنان منذ العام 1943 لكن بوجود أحزاب وطنية لا طائفية، سوف تنتخب رئيس المجلس وتسمي رئيس الحكومة وتكون لها كلمتها في تسمية أعضائها، وقد تنتخب رئيساً للجمهورية اذا طرأ طارئ وليست الأكثرية التي ستأتي بها انتخابات 2021 اذا سارت الأمور في البلاد سيراً طبيعياً.
لقد كان للرئيس ميشال عون عذره عندما لم يتمكن وهو رئيس "التيار الوطني الحر" ورئيس "تكتل التغيير والاصلاح" من تحقيق ما وعد به، أي التغيير والإصلاح مع إقامة جمهورية جديدة ودولة قوية قادرة وعادلة، لا قانون غير قانونها ولا سلطة غير سلطتها ولا سلاح غير سلاحها. أما وقد صار رئيساً للجمهورية فلا عذر له اذا لم يحقق كل ذلك، خصوصاً اذا أصبحت له أكثرية في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب تؤيد المشاريع التي تهمه وتدعم توجهاته، فيشهد لبنان عندئذ نهضة إنمائية وعمرانية واقتصادية في كل المناطق، وتتم مكافحة الفساد بتطبيق القوانين التي لا حاجة الى المزيد منها، ومن خلال إحياء هيئات الرقابة التي أنشأها عهد الرئيس فؤاد شهاب وتفعيلها، وليس من خلال تقديم تصاريح بالأموال المنقولة وغير المنقولة ولا أحد يعرف شيئاً عنها لا عند تقويمها ولا عند نهاية عمل من تقوم بها.
وغني عن القول إن الأكثرية التي تفوز في الانتخابات النيابية المقبلة لها أهمية لا تقل عن أهمية انتخاب رئيس للجمهورية اذا كانت هذه الأكثرية هي التي تحكم والأقلية تعارض، لا أن يتم جمعهما في حكومة واحدة مثل حكومات سابقة بدأ تأليفها منذ العام 2005 فلا كانت حكومات "وحدة وطنية" ولا حكومات منتجة بل فاشلة، ولا من يحاسبها ويسائلها على أعمالها. فهل تكون هذه الأكثرية أكثرية العهد الجديد فينجح، أم أكثرية لغيره فيفشل إذا ظل التوافق هو المطلوب في انتخاب رئيس للجمهورية وفي تأليف الحكومات وفي قانون الانتخاب، بحجة الحرص على وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، أي أن يقوم في لبنان حكم متفقين على المحاصصة حتى اذا اختلفوا حلّت المصائب بالوطن والمواطن؟


emile.khoury@annahar.com.lb