مؤتمر "فتح" بين شيبها وتجديد شبابها

أمين قمورية

تستعد حركة "فتح" لعقد مؤتمرها السابع يوم الثلثاء في رام الله، بحضور يقدر، بحسب الأسماء المعلنة، بنحو 1400 شخص، وبتأخر عامين عن الموعد الأساسي. وهو أقل تأخير على دورية انعقاد المؤتمرات الحركية لـ"فتح"، على رغم أنها استحقاقات قانونية وفقا للنظام الداخلي للحركة.


عمليا، باتت معالم المؤتمر محسومة، لكن نتائجه ونقاشاته هي الآن موضع جدل في داخل حركة "فتح"، وإن كان الجدل ومضامينه يحمل بحد ذاته مؤشرات ونتائج سياسية.
ولعل الوضع الراهن يحتم على مؤتمر حركة فتح أن يطرح اتفاق أوسلو وملحقاته على بساط البحث والنقاش المستفيض بعد 23 سنة من التفاوض غير المجدي، وبعدما قارب عدد المستوطنين في الضفة والقدس المليون، ولم يكن يتجاوز عددهم قبل أوسلو المئة ألف مستوطن، ولا شك في أن كثيرين في المؤتمر سيطالبون بالخروج من عباءة أوسلو وما ترتب عليها من نتائج، وأهمها سحب الاعتراف المجاني بدولة إسرائيل، والعودة إلى النضال بكل أشكاله ضد الاحتلال الإسرائيلي معتمدين في ذلك على ثقتهم بشعبهم واستعداده لمواصلة النضال من أجل نيل حقوقه المشروعة. في المقابل ستجد في المؤتمر من يدافع عن الإبقاء على ما تبقى من الاتفاقات لا لسبب وإنما لأن إسرائيل ماضية في طريق إلغائها العملي، وتاليا لا حاجة لقرار من المؤتمر بذلك يعفي إسرائيل من مسؤولية نقض الاتفاق والتنكر له أمام الرأي العام العالمي. ولا شك في ان الوضع العربي الذي يعاني من الاهتراء والصراعات الدموية اضافة الى المشكلات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية وترسيخ التدخلات الخارجية في الاوضاع أرخى بظلال قاتمة على القضية الفلسطينية التي صارت شبه مغيبة عن الاجندات الرسمية العربية، ودفع ببعض الدول العربية المؤثرة والفاعلة نحو التقارب مع اسرائيل طمعا بكسب تأثيرها في دوائر القرار العالمية، وعمدت تبعا لذلك الى ممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية للتخلي عن بعض الثوابت، واستخدمت مساعداتها المالية كوسيلة ضغط، بل للتدخل في الشأن الداخلي لحركة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وإذا كان الخروج من عباءة أوسلو سيجد حيّزًا له على جدول أعمال المؤتمر فإن قضية الانقسام في الساحة الفلسطينية والخروج من هذه الأزمة التي أضرت بالنضال الوطني الفلسطيني على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، ستكون من أولويات المؤتمر الذي عليه ان يتخذ قرارات قاطعة في شأنها. كما يُعقد المؤتمر في وقت تعطلت فيه المؤسسات الفلسطينية كالمجلس الوطني والمجلس التشريعي ويجري الإمعان في تجاهل استحقاق الانتخابات الرئاسية التي انتهت ولايتها ومدتها القانونية في 2009، وهو الأمر الذي يجعل من المؤتمر نقطة تحول كبيرة في مسيرة العمل الفلسطيني وليس حركة "فتح" فقط، ويقع على عاتقه مهمة "إنقاذ ما يمكن إنقاذه" من هذا الوضع المتردّي، والسؤال هنا هل المؤتمر السابع للحركة بالطريقة التي يجري التحضير له، وبنوعية الأعضاء الذين اختيروا لحضوره وطريقة اختيارهم ذاهب نحو الإنقاذ أم نحو الهاوية؟ وهل سيكرس المؤتمر قبضة الحرس القديم، ويكرس التداخل مع أجهزة السلطة، أم سيعطي أملا بتغيير ما؟
توحي بعض الأسماء الموجودة على قائمة المندوبين الى المؤتمر ان اصحابها لم يكونوا يوما في صلب تنظيم حركة "فتح" بل اكتسبوا عضوية المؤتمر بفعل موقعهم الوظيفي في السلطة الفلسطينية أو بتوصية من بعض أعضاء اللجنة المركزية الحالية لضمان نيلهم الاصوات الكافية للتجديد، ما يمكن ان يشير الى تحول المواقع التنظيمية في حركة "فتح" من تكليف الى تشريف، أو تحول الحركة من تنظيم سياسي نضالي الى تنظيم "الموظفين".
كما ان اللائحة المقترحة للمرشحين الى عضوية اللجنة المركزية المقبلة تضم اسماء شخصيات امضت اكثر من ثلاثين عاما في اللجنة، ما يحول دون ضخ دماء جديدة في قيادة الحركة، ويمنع تداول السلطة ويحد من طموحات الاجيال الجديدة وحقها في المشاركة في صنع القرار، بعدما بذلت ولا تزال التضحيات الكبيرة من اجل القضية الوطنية.
وثمة سؤال آخر هو هل هذا المؤتمر "انتخابي" وحسب ام "سياسي" أيضًا؟ ذلك ان التركيز على عضوية اللجنة المركزية والتجاذبات الداخلية، يجعل من المؤتمر محفلا للاستفتاءات بدلا من ان يكون منتدى لنقاش قضايا مصيرية وبرامجية.
اما السؤال الاهم فهو هل سيعاد الاعتبار للوجهين الشعبي والنضالي للحركة، والفصل بين أجهزة السلطة الفلسطينية، والحركة، وتاليا هل سيجري التركيز على الحركة كإطار للعمل الشعبي، أم انه سيصار الى اعادة التأكيد على ان "فتح" هي حزب السلطة؟
لعل الغائب الاكبر عن حركة "فتح" اليوم ، وجود تيارات وبرامج سياسية متباينة فيها، في حين تغرق الحركة في مواجهة الأزمات اليومية التي يوجدها الاحتلال، وأعباء السلطة. ونجاح المؤتمر يكون بالبحث عن بديل للحال القائم، وبمراجعة الخيارات التي انتهجتها الحركة في المقاومة والتسوية في المفاوضة والكفاح المسلح، وبتجديد حيوية بُناها التنظيمية ودمقرطة علاقاتها الداخلية، على أن تكون المهمة جماعية وليست مهمة شخص واحد فقط، وحتى لا يتم تكريس حكم الفرد، فحركة "فتح" هي في الاساس أُمّ النضال الفلسطيني وحركة الشعب الفلسطيني، لذا يجب ان تشبه شعبها وتتسع لكل اطيافه. فالفلسطينيون ينتظرون حركة فتح متجددة ورئيسًا متجدّدًا وقائدًا لثورة وليس خليفة له فقط، وينتظرون ايضا قيادة تتخلى عن امتيازاتها ومصالحها، وتقود حركة تحرّر وطني بخطة وطنية وبرنامج وطني لمواجهة الاحتلال بمقاومة وطنية شاملة، وإلا فمواصلة الغرق في المجهول.


amine.kamourieh@annahar.com.lb 
twiter: @amine_kam