دونالد ترامب من خلال الكتب

رلى راشد

فيما تنشغل الأوساط السياسيّة في تحليل تبعات وصول المرشح دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي في "البيت الأبيض"، ها هي مجلة "إيل كولتورال" الأدبيّة الإسبانيّة تُستدرج إلى النقاش السياسي من الباب التأليفي عبر إستبقاء مجموعة من الإصدارات التي تناولَت الرئيس قبل أن يغدو رئيساً، وحين كان لا يزال الهويّة القابلة لشتى أصناف التهكّم وأقذع أشكال الشماتة.


يتراءى ترامب المولود ها هنا وعبر النصوص المُلقاة في أحضان الكتب المنشورة على مزيج هجين من الهرج والمغالاة والأفكار الخارجة على الإتساق السياسي العام، والحال ان المطبوعة الواسعة الإنتشار وذات السطوة الثقافية توغل في مغامرة البحث عن الرجل في طيّات بعض المؤلّفات المتمحورة عليه، لتبدو عليها إمارات ذهول يصعب طمسها.


ها نحن بداية إزاء عنوان أول هو "الحمقى: نظريّة دونالد ترامب" (2012) حيث ينصرف الفيلسوف آرون جايمس إلى الإهتمام الإستنطاقي بما يطلق عليه "ظاهرة ترامب" بحثاً عن الردود المرجوة، والحال ان جايمس لا يصل سوى إلى البعض منها فحسب. وإذ يضع كتابه ترامب في مكان يتبدّى انه يستحقّه، يقدّم في الموازاة تفسيراً فريداً لصعوده السياسي اللافت ناهيك بتحذير واضح من الأضرار القاسية التي نجمت عن حضوره في حدود الولايات المتحدة الأميركية وخارجها. يتجاسر جايمس أيضاً على اقتراح حلّ ربما يؤدي إلى ترميم روابط العقد الإجتماعي التي قُطعت بنتيجة الإعتداءات التي اقترفها ترامب على مفهوم المواطنة الديموقراطية. يكتب جايمس ان "الأحمق هو الرجل (والحمقى هم رجال في الأساس) الذي يسمح لنفسه بالحصول على امتيازات على مستوى العلاقات الاجتماعية انطلاقاً من حسّ تنويري راسخ (وخاطىء) يمنحه مناعة ضد شكاوى الآخرين".


في قائمة "إيل كولتورال" عنوان ثان هو "ترامب، أسد السيرك" للصحافي والكاتب الإسباني فرانسيسكو رييرو (2016) وحيث يلاحق المرشح الجمهوري السابق ترامب على نحو متأنٍ في وسط إهتمامه الواضح بفهم مسار تشييد الولايات المتحدة الأميركية كأمّة وكهوية على السواء. والحال ان رييرو وبعدما مرّ بسيناترا خلال إقامته في إسبانيا، يعمل على استدعاء ترامب كضيف شديد المعاصرة ولا يلبث أن يصير في أسلوبه أداة ملائمة لمسح أميركا الشمالية، كبقعة جغرافية وكبيئة سياسية على خصوصية.
يقارب "ترامب، أسد السيرك" الرئيس المنتخب في وصفه قمة "سياسية الإستعراض" أو بتعبير إضافي الفنان المنصرف إلى تقديم عرضه الفرديّ والمتعارف عليه في الثقافة الإنغلوساكسونية بمصطلح "وان مان شو"، ها هنا إذا ترامب المُستعد لتقديم كل ما تطلبه "الجماهير المليونيّة".
أما بيدرو أرتورو أغويري في مؤلفه "بدءا من وينستون تشيرشل وصولاً إلى دونالد ترامب"، فيبحث إنطلاقا من الضفة المكسيكية عن قسط من التاريخ يزيد على مجرد التاريخ الإنتخابي. يقدّم تأمّلاً يمرّ بالثروة والتراجيديا على نحو يتخطّى ما عبّرت عنه صناديق الإقتراع في شأن عشرات الزعماء في السبعينات من القرن العشرين. يفسّر الكتاب كيف يسع أي مرشح أن يؤثر ومن موقعه الشخصي في نتيجة أي عملية إنتخابيّة، من دون إغفال عوامل الصدفة والحوادث القصيرة الأمد أيضاً.
تضيف "إيل كولتورال" إلى قائمتها كذلك "ترامب وأنا" للصحافي في مجلة "ذي نيو يوركر" مارك سينجر والساعي إلى تقديم بورتريه عن ترامب إعتقله في لحظات وهنه، أي في مرحلة محاولته النجاة من واقع الإفلاس وتخطّي أزمة الكازينوهات التي يملكها، ناهيك بسعيه إلى الحصول على طلاقه الثاني. في هذا النص يتراءى سينجز تحت سطوة الإفتتان الذي يمارسه ترامب أحياناً فنقرأ يشير في خصوصه انه رجل "تاق إلى الترف المطلق وحققه، من دون أن تزعجه تمتمة الروح".


أما في نافذة "إيل كولتورال" الأخيرة فإطلالة على مؤلّف مذيل بتوقيع ترامب نفسه، بعنوان "لا تستسلم أبداً" يُضارعه العنوان الفرعي "كيف جعلت أكبر تحدياتي نجاحات"، وربما يكون هذا النصّ الصورة الأكثر إفصاحاً عن ترامب الـ persona.
ها هنا ثلّة من الوقفات التي تحيل على "أشهر رجال الأعمال الأميركيين" سابقاً وعلى الرئيس الخامس والأربعين لأعظم دولة على وجه الأرض، راهناً. ها هنا جُمل كان لها وقع مُلتبس قبل قليل فحسب وها إنها تصير مباغتةً وصفة نجاح مؤكدة. نقرأه يُعبر جازما وكأنه يستشرف صعوده المُبهر: "إن الإستسلام هو أمر لم يتبادر إلى ذهني أبداً".


 


roula.rached@annahar.com.lb
Twitter: @Roula_Rached77