"لبننة"... قبل النسيان؟!

ليس في تاريخ الانتخابات الرئاسية في لبنان سوى الانتخابات التي اوصلت الرؤساء الياس الهراوي واميل لحود وميشال سليمان بظروف واضحة اما السوابق الأخرى فاستبطنت اسرارا استلزم كشفها وتأريخها ردحا زمنيا طويلا. ومع إقتراب العد التنازلي المفترض لنهاية أزمة الفراغ الرئاسي الأطول في تاريخ لبنان ترانا امام نغم يطرب له معظم اللبنانيين حول انتخاب "صنع في لبنان" بعدما تعذر ذلك لمدة تجاوزت السنتين وخمسة اشهر. والحال انه يصعب تجاهل وجه من وجوه اللبننة في المجريات الاخيرة التي رفعت بقوة اسهم العماد ميشال عون ولكنها مجريات غير كافية موضوعيا و"جراحيا" للجزم باللبننة الكاملة لهذا التطور. نفهم المبررات التي تملي على قوى حاملة لخيارعون التبشير باللبننة وتصوير "إنجازها" بأنه من صناعة ائتلاف سياسي تضافرت عوامل مختلفة لصياغته والدفع بخيار الجنرال الى الموعد الحاسم. انها اللعبة التقليدية التي على رغم الكثير من المتغيرات التي عرفتها في مراحل الازمة الحالية لا تختلف في النهاية عن معادلات تصاحب ولادات العهود الجديدة.


مع ذلك يصعب علينا التسليم بلبننة الاستحقاق بالكامل، ايا تكن نتائج اليوم الفاصل المفصلي في 31 تشرين الاول، ولو ان أكثر ما يبهج اللبنانيين فعلا هو إثبات قدرة الطبقة السياسية على لبننة الاستحقاق واستعادة وهج صراع ديموقراطي حقيقي. ثمة لبننة واقعية في نشوء سريع لمحاور سياسية فرضها الحلف الطالع بين الرئيس سعد الحريري والعماد عون والدكتور جعجع والذي يضع الحريري وجعجع في تقاطع مع "حزب الله". وهو محور يستسقي معارضة حادة تستقطب بدورها اتجاهات متناقضة تقليديا تجمعها الضربة التي تتهددها اذا قيض للعهد العوني ان يبزغ. ولكن التسليم بهذا الجانب للقول باللبننة الكاملة يغدو ضربا خطرا لانه يطمس أسوأ حقائق ازمة الفراغ الرئاسي ونتائجها وخلاصاتها في وجهات لا تستقيم اطلاقا مع معادلة اللبننة، بل يتعين على البعض هنا ان يتنبهوا الى مزالق الازدواجية التي قد تتصاعد في لحظة الابتهاج!
فكيف يمكن ان يكون التطور الرئاسي ملبننا بالكامل ما دام الحلفاء "الاوائل" للجنرال عون يزدهون بأن المعادلة الاساسية الصلبة التي ادت بحليفيه الجديدين الحريري وجعجع الى التسليم بانتخابه تعود الى نجاح "حزب الله" وداعمته الاقليمية ايران في فرض نتائج معادلة التعطيل بعد طول تعطيل؟ ألم يكن العنوان العريض لدى الجهات المبتهجة بالنصر ان حلف 14 آذار سلم الراية الرئاسية للمحور الخصم تحت وطأة الاستسلام لميزان قوى مختل حاصر لبنان بمعادلة اما الجنرال واما لا رئيس؟ للمبررات السياسية حيز قد يكون مفهوما، ولكنها لن تطمس ابدا حقائق ازمة غلبت على صناعتها ضغوط خارجية تعطلت معها كل لبننة بدءا بالتزام الدستور. لم يأتِ بعد زمن النسيان!


nabil.boumounsef@annahar.com.lb