بين المحلّي المعقّد والإقليمي المحتدم

علي حماده

ظهر الجنرال ميشال عون ليلة أمس في حلقته التلفزيونية على قناة "او تي في" بصورة مغايرة لتلك الصورة التي بناها على مدى العقود الثلاثة الماضية، وخصوصا منذ عودته الى لبنان سنة ٢٠٠٥. فقد قيل إنه كان شخصا آخر. وبصرف النظر عن المضمون، فقد انقسم الناس حول ادائه البارحة: منهم من رأى فيه رجلا صادقا، وخصوصا لجهة رسائل التطمين والغزل التي وزعها بسخاء لافت لكل الاطراف السياسية، ولا سيما للطائفة السنية. ومنهم من اعتبر ان عون الذي كان يتحدث البارحة كان يلبس بذلة المرشح الذي يوشك أن يصل الى مبتغاه، الامر الذي استدعى استيلاد ميشال عون آخر، في سياق محاولة الوصول الى الهدف النهائي بسلاسة. لن نتوقف عند مواقف عون البارحة، لأننا نعتقد اننا لمسنا كلاماً ونفساً جديدين ما زلنا عاجزين عن تقويمهما، فهل هو جزء من حملة علاقات عامة، ام اننا بإزاء رجل جديد يعي ان سلوكيات ما قبل الرئاسة ليست كما بعدها؟ المهم الآن هو التدقيق في المشهد السياسي العام، لان انتخاب عون او غيره رئيساً ليس بيد الرئيس سعد الحريري وحده. فالمبادرة التي يقوم بها الحريري حركت من دون أدنى شك المياه الرئاسية الراكدة، وأعادت وضع الاستحقاق الرئاسي على الطاولة مجددا. لكن استعجال عون لتحقيق حلمه الغالي، واستعجال الحريري لتحقيق اختراق كبير في الجدران المرفوعة بوجهه في لبنان، قد لا يكفي لاتمام الاستحقاق الرئاسي، بوصول عون الى بعبدا والحريري الى السرايا. فدون ذلك عقبات كأداء، بعضها ظهر على السجال حول "السلة" التي يصعب التصور ان "حزب الله" بعيد عنها، لانها قد تشكل هدفا استراتيجيا للمكون الشيعي الذي يربط اتفاق "الماروني"و"السني" بموافقة "الشيعي" على أدق التفاصيل، وفق معايير جديدة تتجاوز موضوع التحالف بين عون و"حزب الله"، وتتجاوز ايضا العلاقات الجيدة بين الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري.


قد يكون سعد الحريري، بإطلاقه حركته الاخيرة، فاجأ "حزب الله" من حيث التوقيت، على اساس ان الحزب يؤيد عون رئيساً، لكنه يطلب الى النائب سليمان فرنجية عدم سحب ترشيحه، وذلك من دون ان يتحرك فعليا لاتمام الاستحقاق. فتوقيت الحريري قد لا يتوافق مع توقيت "حزب الله". وخيار الشغور الرئاسي قد يكون، على ما يصر على تأكيده الدكتور سمير جعجع، هو الخيار الحقيقي الذي لا يزال "حزب الله" يعمل بموجبه، معتبرا ان الاخير لا يريد الرئاسة ولا عون!
وقد يكون الحريري أثبت من خلال حركته أيضا انه لاعب محلّي متقدم على كل من تسكنه أوهام وراثة جمهور رفيق الحريري، ولكن الحريري ليس على كل شيء قديرا، وهو لا يملك كل المفاتيح محليا، وبالتأكيد لا يملك مفاتيح الخارج في ظل احتدام الصراع على سوريا، وتحوله في الايام الاخيرة الى مواجهة صريحة بين روسيا والولايات المتحدة، مما ينذر بتصاعد المواقف المتصلبة من كل حدب وصوب. وثمة اجواء لمسها قادة لبنانيون زاروا موسكو قبل الرئيس الحريري، تفيد ان الاخيرة لا ترى حلولا للبنان كنتيجة للحل في سوريا! بمعنى آخر، ان الحل في سوريا سابق للحل في لبنان. فهل هذا ما يفسر استمرار الشغور الرئاسي؟