السير على حبل الموقف السعودي المشدود وتفسيرات ملتبسة إزاء دعم انتخاب عون

اهتمت كل الأوساط السياسية بمعرفة موقف المملكة العربية السعودية من تحرك الرئيس سعد الحريري في اتجاه انفتاحه على احتمال انتخاب العماد ميشال عون للرئاسة الأولى. وترقبت هذه الاوساط ما عاد به وزير الصحة وائل ابو فاعور الذي أوفده النائب وليد جنبلاط الى المملكة للقاء مسؤوليها واستطلاع أجوائهم في شأن المنحى الذي يمكن ان تتخذه الامور في ضوء الخيار الجديد للرئيس الحريري، في حال اعتماده. ليس خافيا ان ما عاد به الحريري من الخارج بدا صادما، علما أن الاتصالات الجديدة التي يجريها مع "التيار الوطني الحر" تعود الى شهر ونصف شهر تقريبا، والصدمة ليست في التحول الذي ابدى استعدادا لتبنيه فحسب، بل ايضا في ردود الفعل التي لم تظهر ترحيبا بخيار اعتماد عون للرئاسة، بل كان ثمة حذر كبير. وعلى ذمة سياسيين من كتلة "المستقبل" وسواهم، ان السعودية لا تضع فيتو على اي مرشح رئاسي، لكن الاهم انها لا تبدي اهتماما بالواقع اللبناني في ظل انشغالات أكثر أهمية وحراجة بالنسبة الى المملكة، خصوصا في ظل التبريرات ان المسؤولين الشباب هناك لا صلة لهم بلبنان ولا يرون اهمية له في أولوياتهم. هناك من يقول ان الرئيس الحريري لا يمكن ان يتحرك من دون موافقة سعودية او على الاقل عدم اكتراث لأي تحرك يقوم به الحريري يراه في مصلحة لبنان، على أساس نصائح سمعها كثر مؤداها ان على المسؤولين اللبنانيين أن يعملوا ما في مصلحة بلدهم. إلا أنه لا يخفى أن أوساطا سياسية عدة تخشى أن يكون اندفاع الحريري في اتجاه عون يعكس يأسا من فراغ يهدد بانهيار البلد، بعد سنتين ونصف سنة على التعطيل، إضافة الى وضع خاص لا يقل شأنا عما يشهده البلد، يمكن ان يؤدي الى اذيته اذا تبين ان قراءته لمصلحة البلد لم تكن متوافقة مع قراءته لمصلحة المملكة، باعتبار انه يتعين على لبنان الا يسقط في تموضعه بموجب اي خيار سيعتمد، وهو ما يفترض ان يراعي مصالح الدول العربية. ولا تخفي أوساط سياسية خشيتها على الحريري من زاوية انه سيتحمل شخصيا مسؤولية الخيار الذي سيأخذ البلد اليه، في حال انتخاب العماد عون، فينعكس عليه ذلك تضحية كبيرة به على المستوى الشخصي لمصلحة آخرين ينتظرون ربما وراثته سياسيا متى تبين ان هذا الخيار كان خاطئا او غير مناسب لهذه الدول، من دون مسؤوليته المباشرة عن اداء سلطة، حتى لو كان في رئاسة الحكومة. وبعض آخر من هذه الاوساط لا يخفي خشيته ألا تكون السعودية مهتمة لاعتبارات معروفة بلبنان، لكنها على غير الاجراءات التقشفية التي تتخذها مثلا في حق شركات سعودية، فإن التعامل مع الحريري بالاسلوب نفسه له وقعه وانعكاساته على لبنان وتداعيات في المنطقة. وهناك خشية أن يكون لبنان لا يعطى أهمية يحتاج اليها في المملكة، في حين أن خسارته ستكون واضحة لاحقا، وحين ينقشع غبار المعارك الجارية في اليمن وفي دول عدة في المنطقة، ومن الصعب تعويض الخسارة في لبنان إذا لم يول الاهتمام الذي يستحق. لذلك من غير المستبعد ان تحفل المدة الفاصلة عن الموعد المحدد للجلسة الانتخابية المقبلة برسائل للمملكة في هذا الاتجاه، وإن تكن الآمال ليست كبيرة في الواقع. حتى ان البعض في 8 آذار يعتقد ان الحريري قد يكون يمتحن المملكة في هذا الاطار لمعرفة ما اذا كانت ستهتم بخيار يعتمده، فيما هي ليست متحمسة له ولا تدعمه، ولو انها لا تأبه له او تضع فيتو عليه. والواقع أن هذا الاحتمال، ولو على ألسنة 8 آذار، يحمل تساؤلات عما اذا كان يمكن ان يدفع الحريري الثمن السياسي لذلك إذا كانت المملكة مهتمة ضمنا وليس علنا بعدم الذهاب الى دعم خيار عون للرئاسة، في ظل تحفظات كبيرة على أدائه واداء وزير الخارجية جبران باسيل في الاجتماعات العربية، وهو ما أثار غضب المملكة على نحو كبير. وهناك طبعا من يقول ان كل الممانعة لخيار دعم عون غير ذات جدوى منذ مفاوضات الولايات المتحدة مع ايران على ملفها النووي، قبل ان تخرج هذه المفاوضات الى العلن، وحين كانت لا تزال في عمان، وهي انطوت ضمنا على التسليم بالوضع في لبنان لنفوذ "حزب الله".


ليس خافيا في ضوء المعطيات ان هذه الاوساط جميعها ليست متحمسة للخيار الجديد المحتمل للحريري، بل ستحاول ثنيه عن مسعاه في هذا الاتجاه، في موازاة محاولة إقناع الآخرين ممن يلتقيهم هو بوجهة نظره الجديدة. فهذه الاوساط جميعها تخشى رئاسة عون، ليس بالاستناد الى تجربة 1988 فحسب، بل نظرا الى تجربة حكومية مديدة لم يكن سهلا خلالها التعامل معه او مع وزرائه، على رغم ان البعض يقول ان نموذج التعاون بينه وبين الحريري حول تأليف الحكومة الاخيرة كان ناجحا، وان عون وفى بالتزاماته لهذه الجهة. وهذه النقطة هي ما يتذرع بها الميالون الى دعم عون، في مقابل معارضيه الكثر. لكن الجميع في الزاوية لجهة عدم امكان المجاهرة برفض دعم عون، كل لاعتباراته الخاصة وحساباته وموقعه، في انتظار معرفة حقيقة كل المواقف الضمنية، لا العلنية فقط.


rosana.boumonsef@annahar.com.lb