"المغامرة العونية" تقلق الحريري في نتائجها و"المستقبليون" معه حيث يجب أن يكون

ليست المرة الأولى يسعى الرئيس سعد الحريري إلى خرق الجمود وكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الاستحقاق الرئاسي. ولن تكون المرة الأخيرة يلتف على خياراته بحثا عن آفاق جديدة.


لقد حاول في المرة الاولى عندما أعلن تبنيه، إلى جانب قوى 14 آذار، ترشيح رئيس "القوات اللبنانية" الحليف المسيحي الاقوى له سمير جعجع للرئاسة، ثم تراجع عندما وجد أن كل الابواب موصدة في وجه هذا الترشيح.
وأعاد الكرّة مع النائب سليمان فرنجية، مع كل ما عناه ترشيحه للزعيم الزغرتاوي والحليف الاكثر التصاقا بسوريا لجمهور "المستقبل". خسر الكثير من قواعده كما من صقوره، ومنهم اللواء أشرف ريفي بخروجه عن طاعة البيت "المستقبلي"، من دون أن يخرج عن سقف مؤسس التيار الرئيس رفيق الحريري.
يعود الحريري إلى بيروت وفي جعبته تفكير، لم يبلغ بعد مستوى القرار، في دعم ترشيح النائب ميشال عون للرئاسة.
وتؤكد مراجع "مستقبلية" بارزة جدية تفكيره في هذا الخيار، لكنها مقتنعة بأنه لم يصل بعد إلى مرحلة حسمه خارجا عن تياره، كما أنه لن يقدم على أي خطوة قبل أن يستنفد كل الاحتمالات والحسابات المتعلقة بخيار كهذا، عبر مروحة اتصالات ومشاورات مع القوى السياسية، فضلا عن فتح النقاش واسعا مع الكوادر "المستقبلية" ومع الكتلة النيابية كي يأتي القرار بعيدا من أي تهور أو تسرع.
لا يعني انتقال الحريري إلى التفكير في ترشيح عون آخر المطاف بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي. وقد يكون محطة مماثلة لمحطات سابقة في إطار التصفيات المتعلقة بالمرشحين، وصولا إلى المرحلة النهائية التي تحدد من يصل إلى بعبدا، المحطة الاخيرة في السباق الرئاسي، علما أن كل المعطيات تشي بأن هذه المحطة لا تزال بعيدة، بدليل الموعد المتأخر الذي حدده رئيس المجلس نبيه بري للجلسة المقبلة لانتخاب رئيس في 31 تشرين الاول المقبل، بما يعني أن ثمة وقتا متاحا لاستنفاد كل الاتصالات حتى التوصل إلى نضج التسوية الرئاسية المتعلقة أساسا بالتسوية الاقليمية.
تتحدث المراجع بكثير من الثقة عن "الدرجة العالية" من الديموقراطية السائدة الاوساط "المستقبلية"، حيث القرار غير منزل ويخضع للنقاش والتداول. لكن ما لا تخفيه المراجع، وهو ما لمسه نواب الكتلة في اجتماعها الاخير، أن الحريري يشعر بأن الامور باتت مقفلة من كل الجوانب، وأنه لا يمكن الاستمرار في حال المراوحة السلبية التي تحكم المشهد السياسي وتنعكس بشكل سلبي وخطير على البلاد. وتنقل في هذا الاطار هواجس "المستقبليين" وتساؤلاتهم التي تحتاج إلى أجوبة واضحة قبل خوض المغامرة العونية: إذا سار الشيخ سعد بخيار عون، فمن سيكون الرئيس الفعلي؟ عون أو صهره وزير الخارجية جبران باسيل؟ ما هو النموذج الصالح الذي أعطانا إياه عون وجماعته في الحكم؟ ماذا سيكون موقف رئيس "التيار الوطني الحر" من الدستور؟ وأي دستور سيطبق؟ هذا السؤال يأتي انطلاقا من مواقف باسيل العلنية في جلسات الحوار حين يعلن أنه مع الدستور، ولكنه ضد الطائف.
وإذ تعلق المراجع بقلق على الشحن الطائفي السائد وإلى أين سيوصل البلاد، تؤكد أن غالبية "المستقبليين" هم ضد خيار السير بعون، وهذا الامر لمسه الحريري في نقاشاته معهم، وهذا ما يدفعه إلى التريث والتعمق في قراره أكثر، خصوصا أن هذا القرار فردي ولا يخضع لأي نصيحة خارجية، إقليمية أو دولية.
هذا الامر يدفع إلى السؤال عن المملكة العربية السعودية وأين تقف من الموضوع؟
لا تجد المراجع ما ترد فيه على هذا السؤال. ذلك أنه لا يرد أي موقف سعودي حيال لبنان. فالمملكة المنشغلة بأولوياتها في اليمن وسوريا، لا تقدم إشارات إلى اللبنانيين، ولكنها حتما لن تكون راضية عن أي تصرف لم يتم التشاور معها في شأنه.
يعي الحريري ومعه "المستقبليون" هذا الواقع، ولكنهم عاجزون عن تغيير الصورة. يسعى البعض منهم إلى تلمس موقف ما من خلال الاصدقاء في دول صديقة مثل الكويت او الامارات.
يعيش "المستقبليون" شعورا بأن البلد بات متروكا، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن اتخاذ أي خطوة تسلم البلاد إلى المحور الآخر. ولذلك التنازل ممنوع لئلا يسجل في خانة الانتصارات الايرانية.
السعوديون لم نعد نعرفهم، فهم من جيل الشباب وأولوياتهم في مكان آخر.
أما الحل، فتلخصه المراجع البارزة بالاستشهاد بتجربة اللواء أشرف ريفي في الانتخابات البلدية في طرابلس، وتقول: "هو فاز في وجه كل التحالفات لسبب بسيط أنه احتمى بعباءة الرئيس الشهيد وبقي تحت صورته. وما على الرئيس الحريري اليوم إلا أن يرفع الصورة مجددا لتواكبه الناس الى حيث يجب ان يكون".


sabine.oueiss@annahar.com.lb