أريزونا المتعة ولبنان الحنين

عصام منصف

بعد سفري المتكرر الى فرنسا حيث الدراسات العليا والبحث في المكتبات، والى دبي في الامارات في عملٍ سياحي واعلامي، توجهت هذه المرة الى ولاية أريزونا الاميركية حيث اقامة وحيدي المهندس ناجي وعائلته منذ عام 2006.كانت الأقامة الى جانب السياحة والأبحاث والدراسات استمرت من 4 آيار حتى 25 حزيران 2016.
في ولاية أريزونا شاهدت العاصمة PHOENIX ومدينة CHANDLER حيث يقطن ابننا، ومدينة TEMPE الشهيرة بجامعتها، Arizona University of Tempe ومدينة Mesa وغيرها من المدن التي لا مجال لذكرها الآن.
• يُقال في العموم، صحراء أريزونا التي تقع جنوب أميركا، حيث الشمس على مدار الساعة وعلى مدى الفصول، وهي على حدود المكسيك وكاليفورنيا. هذه الولاية اتحدت بالولايات الاميركية عام 1912 فقط، واللغة المحكيّة فيها الانكليزية ثم الاسبانية. ولكن الآن هذه الولاية لم تعد صحراء إلا في القليل من مساحتها الواسعة.
ذات أحد، قمنا برحلة صباحية الى مقاطعة SEDONA، إنها جنة الخالق على الارض: جبالٌ بركانيّة حمراء، سواق وأنهر وبحيرات عديدة، أشجار باسقة من جميع الأنواع، مطاعم ومقاه من جميع الاصناف، سائحون، مقيمون، متجولوّن بالألاف، سيارات تسير ببطء خلف بعضها البعض عدة كيلومترات. هذه المنطقة أشبه بغابة الأرز وعيون السيمان وقمم القرنة السوداء وجبال حرمون، ولكن بشكل أضخم وأجمل وأوسع. الشمس نقية، لونها لون الذهب، والهواء صافٍ ونقيّ كلياً، لا نجد مثله إلاّ ربما في جبال هملايا. على العموم، ولاية أريزونا، نظيفة، مُحافظة، لا تلوّث البتة فيها. ورغم مناخها الحار، فإنه جافٌ لا يعرف أبداً الرطوبة مثل مدننا الساحلية.
ذات سبت، فاجأنا إبننا برحلة بريّة في السيارة الى ولاية كاليفورنيا. إنطلقنا صباحاً عند العاشرة ووصلنا بعد عدة استراحات الى مدينة San Diego على الاوقيانوس الباسيفيكي الساعة الرابعة بعد الظهر. هناك استقبلنا صديقه المهندس من عائلة خريش في عين ابل الجنوبية، حيث يقطن ويعمل في مركز ابحاث في المدينة. مكثنا في منزله الأنيق ثلاثة أيام، نهاراً وليلاً، قبل العودة. لا بحر في Arizona. إنما بعد إقامتي وتنقلي شهرين في هذه الولاية، دفعني الحنين كأي فتى للتمتع بمنظر البحر. ولدى وصولي الى شاطىء San Diego، هتفتُ من كل جوارحي: "لو استطيع السباحة في مائه البارد وأسافر الى مدنه الساحلية العديدة، ياليت..." إنما الأحلام بعيدة المنال أحياناً، ورغم ذلك فإنها ملأى بالآمال والأشواق والانتظارات.
إن ولاية أريزونا من اجمل الولايات الخمسين. إنها صورة واضحة وصادقة عن النظام، النظافة، اللطف، اللياقة، الأستقامة، العمل الدؤوب، النهضة في جميع الميادين، المطاعم والمقاهي والمخازن الأنيقة والنظيفة بأبخس الأثمان، مهما كان الطعام واللباس. إنها ولاية مثالية نموذجية لكل مواطن ومقيم وسائح، تطبق القانون دون تمييز وترى الفرد هناك قانعاً، مطمئناً لحاضره ومصيره. ومع ذلك، يبقى لبنان بالنسبة الي والى سنيّ حاضراً في قلبي وعقلي، هناك حيث مولدي وعملي وأحبائي ومرقدي. هناك حيث الجبل يقرُب من البحر وحيث التمتع بالصعود جبلاً والهبوط ساحلاً وحيث المقارنات والمفارقات وحيث الخير والشر، كما في كل بلاد. ورغم كل ذلك فأنا مواطنٌ لبناني مشرقيّ قبل كل شي وحيث رحلت وسافرت وابتعدت، في بلاد الله الواسعة لن أنسى أبداً أنه هنا في موطني بات مولدي ومرقدي ولا شيء آخر.


كاتب وباحث