"جمول" المغامرة التي حاصرها الأقربون

عباس صباغ

لم تكن انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية حدثاً عادياً مساء الخميس 16 ايلول عام 1982 ، فالقرار الذي أُحيط بظروف استثنائية عاشها لبنان بعد تدنيس تل ابيب لتراب ثاني عاصمة عربية بعد اجتياح السادس من حزيران من العام عينه وما تلاه بدءاً من انتخاب الرئيس بشير الجميل مروراً بترحيل منظمة التحرير الفلسطينية عن بيروت ومن ثم اغتيال الرئيس المنتخب وصولاً إلى ارتكاب مجزرة في صبرا وشاتيلا .


وسط هذه الاجواء الملبدة ايضاً باكتفاء معظم العرب بالصمت والتفرّج على مذابح اسرائيل بحقّ لبنان، كان القرار الذي اعلنه الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني الشهيد جورج حاوي والامين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم بانطلاقة جب المقاومة.
لم تمض ساعات الا وترجم الشيوعيون القرار، وبعد أقل من اسبوع اندحر جيش الاحتلال مردداً هتافات ضجت في شوارع بيروت وابرزها "يا اهالي بيروت لا تطلقوا النار علينا فنحن منسحبون".
وبعد تحرير بيروت استمرت عمليات جبهة المقاومة وبينها عمليات نوعية منها إسقاط مروحية اسرائيلية في 21 ايلول 1985 والذي تصدر صفحات الصحف اللبنانية (راجع عدد "النهار" في 22 ايلول) ، اضافة الى عمليات نوعية تضاهي عمليات المقاومة الاسلامية، حيث استطاع الشيوعيون وحلفاؤهم قتل 386 جندياً اسرائيلياً بحسب اعترافات تل ابيب على الرغم من الامكانات المتواضعة التي امتلكتها جبهة المقاومة، مقارنة بما لدى المقاومة الاسلامية من امكانات هائلة، من دون التقليل من تضحيات مقاوميها وتحريرهم الجنوب عام 2000.
لكن الاشكالية التي لم تتضح الاجابات الرسمية سواء من الحزب الشيوعي او من خصومه عما رافق فترة منتصف الثمانينات من القرن الفائت، ان كان لجهة الاغتيالات التي طالت عشرات كوادر المقاومة والشيوعي وخصوصاً في مناطق جنوبية مثل صور والنبطية وصولاً الى صيدا وبيروت وضاحيتها الجنوبية، عدا عن المضايقات التي كان يتعرض لها الشيوعيون الى حد وصف احد الناشطين في العمل المقاوم منتصف الثمانينات تلك التصرفات بأسوأ مما كان يقوم به عملاء اسرائيل من اعتقال وتعذيب وجلد للشيوعيين في سجون لا تزال شاهدة على تلك الحقبة السوداء. اما الطامة الكبرى بحسب احد المسؤولين الحزبيين، فكان قرار دمشق ترويض عمل الشيوعيين وتقويضه، والطلب المباشر من قيادتهم تزويدها ببرنامج العمليات قبل تنفيذها، وهو ما رفضه الشهيد حاوي، وكانت عملية جبل الشيخ التي اعتقل خلالها المقاوم انور ياسين خير شاهد على رفض التنسيق المسبق، فجاء الرد وتوقفت عمليات المقاومة التي تأثرت ايضاً بانهيار الاتحاد السوفياتي وإعادة تموضع احزاب يسارية في اماكن اخرى.