خطة "التيار الوطني" المتدرجة على حالها ما لم يلمس واقعية سياسية في التعامل مع الشراكة

ألين فرح

ثمة من يرى أن خطاب الرئيس نبيه برّي في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر لم يحمل في طياته تحدياً لـ"التيار الوطني الحر" على ما كان ينتظر أو يتمنى البعض، و"الدلع" السياسي لا يقصد به "التيار"، بل جميع الأفرقاء السياسيين، من منطلق الحرص على سلته. أما ما يسمّيه الرئيس بري "المؤسسات"، فالمقصود بالطبع بالنسبة اليه مجلسا النواب والوزراء. إلا أنه يبقى أن رئاسة الجمهورية لا تزال خاوية، وأن الشراكة الوطنية لا تزال تنتظر على قارعة الهمّ الوطني مَن يأتي بمفهوم واحد للميثاقية.
رغم اعتبار البعض أن كلام رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل أو بيان "تكتل التغيير والإصلاح" الأخير في شأن اللجوء الى القضاء الإداري للطعن بالمراسيم التي قد تصدر من دون أن تحمل تواقيع وزراء التكتل هو أقصى ما يمكن اللجوء اليه، فإن اللجوء الى السلطة القضائية شيء والتعامل مع المستجدات الميثاقية والرئاسية شيء آخر، مما يعني عملياً وحتى إشعار آخر أن "التيار" لا يزال على موقفه التصعيدي. فإن أتى حوار 5 أيلول، وهو الاستحقاق الأول زمنياً، جامعاً كالعادة الأفرقاء السياسيين ويشارك فيه "التيار" كي تبحث الميثاقية من حيث مفهومها وتداعيات عدم توافرها، وإن حملت جلسة 7 أيلول المعينة لانتخاب الرئيس بشائر جدية وحاسمة في الموضوع الرئاسي ميثاقياً، وإن عادت حكومة تمّام سلام حكومة المصلحة الوطنية الى نهج وطني غير ملتبس لا يحمل في طياته كيداً سياسياً أو استبعاداً لأي مكوّن أو تهميشاً له، يمكن عندئذ أن يعيد "التيار" النظر في خطته المتدرجة. وهذا هو التفاعل الوحيد المطلوب كي يطمئن "التيار" الى أن مختلف الاستحقاقات سائرة على الطريق الصحيح، وأنه لم يعد ثمة انقلاب منهجي على الطائف وعلى الشراكة الوطنية، وفق مصادر قريبة من "التيار".
لذلك إن الخطاب "الهادئ" للرئيس برّي، رغم أنه وضع السلة في موازاة الرئاسة توافقاً وليس بتاً، وشمل الاستحقاق الرئاسي ووازنه مع المواضيع الأخرى ذات الأهمية القصوى في السلة كقانون الانتخاب وشكل الحكومة، ليس هو الدافع، ولا يمكن أن يكون الدافع إلى إعادة النظر في الخطة المتدرجة التي وضعها "التيار". فالضمانات والترتيبات يجب أن يلمسها "التيار" على أرض الواقع، أي أن يلمس واقعية سياسية لا لبس فيها في التعامل معه ومع الاستحقاقات الدستورية ومع الشراكة الوطنية.
وتقول المصادر إن الخطة المتدرجة على حالها مما عُرف منها، أي اللجوء الى القضاء، من دون أن يعني ذلك عدم اللجوء الى خطوات سياسية وشعبية كمثل مقاطعة الحوار أو الانسحاب منه إن بقي كل فريق يغني على ليلاه المصلحي ويتمترس خلف متاريسه المصطنعة التي تضرب الميثاق في العمق والصميم، وصولاً الى الاعتكاف عن حضور جلسات الحكومة أو حتى الاستقالة منها في الوقت المناسب عملاً بمبدأ التفاعل أو التجاوب الذي تمّت الإشارة اليه مع المستجدات، وصولاً الى استفتاء الشعب، "من دون أن يعني ذلك أننا سنستفتي شعبنا ضد شعبنا، على ما يكون البعض قد فهم خطأ من خطاب الرئيس برّي. فالخوف من شارع مقابل شارع ولّى الى غير رجعة، ليس فقط بسبب وجود ما يقال إنه مظلة إقليمية ودولية تحمي الاستقرار الداخلي، بل لأن صاحب الحق لا يمكن أحدا أن ينكر عليه حقه في الشراكة الوطنية الكاملة التي سوف تكون عنوان التحرّك الشعبي. كما أن شعباً يريد أن يعيش بمكوناته كافة تحت سماء واحدة وهادئة لا يمكن أحدا أن يقمعه". والأمثلة كثيرة على مساحة الإقليم، علماً أنه لن يذهب أحد إلى استجرار نار الإقليم الى لبنان، وهنا يكون دور ما يسمّى الضمانات الاقليمية أو الدولية. لذلك الأمور بمواقيتها وظروفها ومستجداتها، وخطاب الرئيس برّي "الهادئ" في ظاهره، قد تشي بمرحلة واقعية سياسية، لكنها حتماً لن تكون المرحلة المطلوبة أبداً.
وتختم المصادر بأن "التيار" يعي تماماً أن كثيرين يرغبون في جرّه الى الشارع كي يحرج ويخرج من المعادلة الميثاقية والرئاسية، "إلا أنهم واهمون، ذلك انه عندما يستفتي "التيار" شعبه يصبح أكثر تمسكاً بحقه من أي وقت مضى، فتضيق الخيارات عند الآخرين ويبقى "التيار" على مبادئه وثوابته".


aline.farah@annahar.com.lb
Twitter: @ aline_farah