السيّد الرئيس

رلى راشد

يحُقّ للطغاة في أي زمن أو مكان أن يَحظوا بروايات تخصّهم، نصوص تبثّ الوهم بأنها أفقية المقاربة، في حين لا تلبث أن تُفضي مواربةً إلى تلك الأماكن المؤرقة، ولكن الضرورية، في أي تجربة كِتابة جديرة.
في خضم هذا النسق من المؤلّفات نتذكّر طغاة أميركا الوسطى والجنوبيّة على وجه التحديد ورواية بهويّة "السيد الرئيس" للكاتب ابن غواتيمالا ميغيل أنخيل أستورياس وقد مرّت في 2016 سبعة عقود على بزوغها الأول لتشكّل في رصيده وإلى جانب "أساطير غواتيمالا" و"رجال من الذُرَة"، جدارية كاملة التفاصيل.
يمكن الإشارة ومن دون تحريف إلى أن "السيد الرئيس" تتقدّم على سواها من عناوين أستورياس في الذاكرة الشعبيّة بفضل سهولة في الأسلوب أقرّ بها الكاتب عينه حين انصرف إلى مقارنتها بتركيب "رجال من الذُرَة". وثمة مسألة أخرى عزّزت مكانة هذا السرد أيضاً وارتبطت بالرسالة السياسيّة المباشرة التي حملها مستهدفاً مفهوم الطغيان وهذا ما حدا بالرواية إلى إحداث التفاعل، حيثما حلّت.
يسجّل في 2016 إذا مرور سبعة عقود على نشر هذا النص لأول مرة وعلى نفقة الكاتب، بعدما كان نبذه الناشرون بسبب استبقائه عنوان "توهيل" المُغرق في الثقافة المحليّة ويحيل على إله النار والموت عند شعب المايا. وإذا كان أستورياس إستسلم إلى نزوة الناشرين وعدّل إسم نصه لاحقاّ، غير انه أصرّ على أن يحمل إلى منصة تلقّيه جائزة "نوبل" الآداب في 1967 شيئاً من إرثه ومن "أدب السكان الأصليين الذي شهد على لحظات عظيمة: المايا والأزتيك والإنكا"، على ما قال. عرّج الكاتب على ما عاينه نسقاً يشبه الرواية عند هذه الشعوب، ليضيف ان تاريخ الثقافات الأصليّة في أميركا اللاتينية أقرب إلى الرواية منه إلى التاريخ.
تشكّل الثنائية بين الحياة والموت مفتاح "السيد الرئيس" حيث يخطّ أستورياس مسارات سردية لافتة تتوزع الإنتماءات الزمنية فيعنون الجزء الأول من نصه "21 و22 و23 نيسان" والثاني "24 و25 و26 و27 نيسان" والثالث "أسابيع وشهور وأعوام...". والحال انه يفوز بنص يتقرّب وفي أقسامه الثلاثة وخاتمته من جوّ التجارب المستحقة من قبيل "خريف البطريرك" لغابرييل غارثيا ماركيز و"عن الحبّ والظلال" لإيزابيل الليندي وسواهما في رفّ التمارين الباحثة في القهر السياسي متلبّسة ثوب الرواية.
ها نحن قبالة تجربة تسمح بأن ينجح التعاضد بين مذاق السحر وبين الواقعية في موازاة استدعاء الفظاعة والفساد والحبكة والوقاحة وكل ذلك طمعاً بوصف دقيق لحكم طاغية متعطشّ للدم. وإذا كان ثمة استقدام للغفليّة في ما يخصّ المكان في موازاة تجهيل لإسم الديكتاتور المعنيّ أيضاً فإنه لا بدّ من مدّ صلات بين ديكتاتور الرواية وبين الطاغية مانويل إسترادا كابريراس الذي أدخل غواتيمالا في نفق مظلم، بين عامي 1898 و1920.
يجعلنا نص أستورياس الذي انطلق من مشروع قصة قصيرة وتطوّر ليصير رواية نتأمّل تشوّه السلطة السياسية.
نستدرج إلى أسطرة نموذج الديكتاتور في سياق شيء من السوريالية.
يدفع بنا لكي نعيد التمعّن في ما يحوطنا، وفي الباين والكامن، فنقرأ في ورع لا مفرّ منه في الصفحة الثامنة والخمسين بعد المئة: "ما نظنّه كذبة هو الحقيقة، والحال انه يجعلنا نبكي فرحا أو حزنا".


roula.rached@annahar.com.lb
Twitter: @Roula_Rached77