هل تشقّ ذكرى مصالحة الجبل الطريق لمصالحة وطنيّة شاملة تبدأ بانتخاب رئيس؟

اميل خوري

يمكن القول إن الكلمة التي دلت على مكمن الداء في انتخاب رئيس للجمهورية هي التي قالها الوزير جبران باسيل بكل صراحة ووضوح لدى خروجه من جلسة الحوار، وهي أن للنائب حقاً منحه إيّاه الدستور وهو التغيّب عن جلسات الانتخاب وإنْ لتعطيل نصابها، وان هذا ما يقضي به "الميثاق الوطني"... فما نفع البحث إذاً بعد هذا الكلام في قانون للانتخاب وفي استحداث مجلس للشيوخ وفي اعتماد اللامركزيّة الإداريّة الموسّعة، إذا ظل الخلاف قائماً على حق النائب في التغيّب ساعة يشاء ومن دون عذر مشروع عن أي جلسة بما فيها الجلسات المخصّصة لانتخاب رئيس للجمهوريّة. فما لم يحسم الخلاف حول هذا الموضوع فإن انتخاب رئيس للجمهوريّة يبقى معرّضاً في كل استحقاق لخطر الشغور والفراغ، وكذلك انتخاب رئيس لمجلس النواب وإجراء استشارات لتسمية رئيس للحكومة. لقد بات حسم الخلاف حول هذه النقطة ملحّاً وضروريّاً لأن سلاح تعطيل جلسات الانتخابات الرئاسيّة إذا ظل في يد حزب أو طائفة أو خارج، فإنّه سلاح خطر يستطيع تعطيل عمل المؤسّسات وإدخال البلاد في فوضى عارمة في أي وقت. فلو أن هذا السلاح أُسقط من يد أي جهة لما كان في استطاعة أي حزب أو مذهب أو خارج أن يعطّل اليوم انتخاب رئيس للجمهوريّة، بل كان حضور النواب ملزماً والتنافس بين المرشّحين للرئاسة يقوم داخل المجلس وليس خارجه وربما في الشارع... فالمطلوب إذاً قبل أي أمر آخر حسم موضوع الخلاف على حق النائب في التغيّب عن جلسات انتخاب رئيس للجمهوريّة، خصوصاً أن غالبيّة رجال القانون أكّدت إلزامية حضوره جلسة الانتخاب لأن هذا واجب عليه ولا يحق له التخلّي عنه كونه يمثّل الأمّة جمعاء، وقد منحه الدستور حق انتخاب من يشاء رئيساً للجمهوريّة، وليس التغيّب عن الجلسة، وإلقاء ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع إذا لم يعجبه أي مرشّح للرئاسة.


إن المصلحة الوطنيّة باتت تقضي بحسم موضوع الخلاف على حق النائب في التغيّب عن جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة كما حسم الخلاف حول وجوب حضور ثلثي عدد النواب جلسة الانتخاب لتبدأ عمليّة الاقتراع، وإلّا ظلّ لبنان معرّضاً لخطر الشغور الرئاسي عند كل استحقاق. فإذا كان الوزير باسيل يرى في تعطيل النصاب حقاً له ولسواه تحقيقاً لمصلحة سياسيّة أو شخصيّة لحزبه، فإن تعطيل النصاب كل مرّة قد يكون في مصلحة حزب آخر أو طائفة أخرى أو خارج ينتظر عند الباب ليدخل منه وليتدخّل في شؤون لبنان الداخليّة. إن هذه سابقة لا يعرف الوزير باسيل ومن وراءه وخلفه مدى خطورتها خصوصاً على حقوق المسيحيّين التي يدّعي حزبه الدفاع عنها عندما يصبح التغيّب من دون عذر مشروع قاعدة. وإذا كان الوزير باسيل ومن معه لا يقدّرون خطورتها، فإن الأقطاب في لبنان، ولا سيّما منهم الموارنة، قدّروا خطورتها في الماضي عندما تجنّبوا استخدام سلاح تعطيل النصاب في جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة لأنّهم اعتبروا موعد انتخابه مقدّساً ولا يجوز التلاعب به لئلّا يشكّل تلاعباً بجوهر "الميثاق الوطني" الذي يقوم على ثلاث ركائز هي: رئاسة الجمهوريّة ورئاسة المجلس ورئاسة الحكومة، وإن الميثاق يختل إذا سقطت ركيزة من هذه الركائز. ولو أن تعطيل نصاب جلسات الانتخاب مسموح دستوريّاً لكان في استطاعة النواب الموالين للرئيس بشارة الخوري الحؤول دون انتخاب كميل شمعون رئيساً وذلك بتعطيل نصاب الجلسة لو أنّهم كانوا يفكّرون بعقلية نواب حاليّين يلجأون إلى التعطيل خدمة لمصالحهم، ولكان في استطاعة نواب "الحلف الثلاثي" المؤلّف من شمعون والجميل وإده تعطيل النصاب أيضاً للحؤول دون انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهوريّة، كما كان في استطاعة النواب الموالين للرئيس شمعون الحؤول دون انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهوريّة بتعطيل نصاب جلسة انتخابه، ولكان ظل لبنان بلا رئيس إلى أجل غير معروف.
أمّا قول "التيار الوطني الحر" بوجوب انتخاب الأكثر شعبية لرئاسة الجمهوريّة، ولا سيّما في طائفته، فهو قول يناقض أحكام الدستور التي تدعو الى انتخاب الرئيس بالاقتراع السرّي وبالأكثرية النيابيّة المطلوبة، وليس بالأكثرية الشعبيّة، وإلّا لما كان وصل إلى سدّة الرئاسة شارل حلو ولا الياس سركيس.
لقد وجد أقطاب الحوار على الطاولة هذه المرّة مجموعة "أرانب" علّها توصل الى اتفاق من خلال تبادل المكاسب والمحاصصة بعدما تعذّر الاتفاق على اقتسام أرنب الرئاسة وحده. وإذا بالمتحاورين يحورون ويدورون حول المواضيع التي طرحت بالجملة الى أن أصابهم الدوار من كثرة الحكي... لذلك فلا علاج لداء تعطيل نصاب جلسات انتخاب الرئيس إلّا باتفاق المتحاورين على تأمين نصابها بإلزام النواب الحضور كي يتم عندئذ انتخاب الرئيس حتى في جلسة واحدة، ولا تعود العلّة في الخلاف على انتخابه إنّما في تعطيل النصاب. فهل يدرّ تدشين كنيسة سيدة الدرّ في المختارة رئيساً للبنان وتشق ذكرى مصالحة الجبل الطريق لمصالحة وطنيّة شاملة تبدأ بانتخاب رئيس يكون أهلاً لتحقيقها؟


emile.khoury@annahar.com.lb