لا تطرحوا بلوكات الغاز كلها دفعةً واحدة

زاهي جبرائيل

لبنان وطنٌ حر مستقل في حدوده المنصوص عنها في الدستور اللبناني والمُعترف بها دولياً. هذا البلد المضياف قاطنوه حالياً بحدود الأربعة ملايين ونصف. خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة يُتَوَقَع أن يبلغ سكان الوطن خمسة ملايين نسمة بمعدل زيادة سنوي 1%. بارتفاع مستوى الرفاهية وتحسّن الأداء التقني نستطيع إعتماد استهلاك سنوي وسطي من الطاقة للفرد 1500، يساوي كيلو نفط، فيكون معدل استهلاك لبنان من الطاقة سنوياً خلال السنوات المقبلة هو بحدود 7500، يساوي كيلو طن نفطي (هي الآن 5000). هذا الاستهلاك يتوزع كالآتي: صناعة 25%، نقل 41%، زراعة نصف في المئة، القطاعان العام والتجاري 5,5 في المئة، منزلي 23%، ومختلف 8%. حالياً 93% من هذه الطاقة مصدرها الطاقة النفطية المُستَورَدة.


كمية الـ7500 تساوي كيلو طن نفطي، تعادل تقريباً ثلاثمئة تريليون وحدة حرارية بريطانية. مع معدل استهلاك كهربائي مُنتظر يبلغ 20000 جيغا واط ساعة، بمعامل لتوليد الكهرباء بمردود جيد نحتاج لتوليدها الى 200 تريليون وحدة بريطانية حرارية، افتراضياً تكون بمعظمها من الغاز. أمّا المئة تريليون وحدة حرارية بريطانية المُستخدمة في القطاعات الأخرى، وبناءً على دراسة ميدانية أجريتها سابقاً، نفترض أنّ 40% منها فقط ستعتمد على الغاز، فيكون مجموع الوحدات الحرارية البريطانية التي مصدرها الغاز الطبيعي هي 240 تريليون وحدة حرارية بريطانية، ما يوازي تقريباً 206 بليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
لبنان بتركيبته الجيولوجية يختزن في مكامن طبقاته الجيولوجية في مناطقه البحرية المُعترف بها دولياً كميات من الغاز الطبيعي، مصدر تكوينها بعض من أفريقيا الشمالية وبحر الأحمر. قسَم لبنان هذه المناطق البحرية الى عشر بلوكات تتراوح مساحة كل منها بين 1259 و2374 كيلومتر مربع، بغية حسن استثمارها. ما يتناهى للسمع أنّ أصحاب الأمر والنهي هم في صدد فتح أربع أو خمس بلوكات للمناقصة دفعةً واحدة (1و2 في الشمال و9 و 10 في الجنوب) يترافق مع تقديم ثلاث بلوكات أخرى، أي تحريك معظم البلوكات دفعةً واحدة. كل هذا بنظام هجين لتقاسم الأرباح (! ) وقفشات ضريبية. إن كان ما يُحكى صحيحاً نكون وكأننا ونحن نتعلم قيادة السيارة قد قرّرنا أن نخوض سباقٌاً دولياً سريعاً وعلى دروب وعرة، أو لربما نجلس في المقعد الخلفي أو في مقاعد المتفرجين نصفِّق وغيرنا يتولى القيادة.
حتى الآن ما زالت الدراسات على حقولنا الغازية في بدايتها، فلا آبار تجريبية للغاز قد نُفذت، ولا أرقام دقيقة من دون هذه الآبار. لذلك أي شركة تتقدم للاستثمار ستضع هامشاً كبيراً لتغطية المخاطر: كم هي الكميات في المكامن؟ كم هي الكميات التي يمكن استخراجها؟ ما هو البرنامج الزمني للاستخراج؟ كم ستكون التكاليف إن من ناحية الحفر أو عدد الآبار أو طريقة التجميع والتوضيب؟ الشركات الآن تبني أرقامها على نتائج ما أُنجز من دراسات ومسوحات قد لا نكون نعرفها كلها، وبربط ما لديها بالمعطيات المتقدمة للحقول والمكامن في بحر فلسطين وقبرص، وبهامش خطرٍ مرتفع ينعكس ضرراً على مصلحة الوطن.
مع ما تقدم عن الوطن واستعماله للطاقة وما لديه من مكامن للغاز وما أنجز بصددها، ما المانع أن نُقدم على الآتي: ننشئ شركة وطنية للطاقة، نشتغل على تحريك العمل في البدء ببلوكين فقط: واحدٌ في الشمال وواحدٌ في الجنوب يمثلان تقريبياً 20% من المساحات. ولنعتمد نظام الخدمات بدل نظام تقاسم الإنتاج أو الأرباح، وكثُرٌ دخلوا هذا النظام ( الكويت، إيران، فنزويلا...). تنحصر خدمات الشركات المناقِصَة فقط في الاستكشاف والتطوير والإستخراج لمصلحة الشركة الوطنية صاحبة السيادة على الثروة البترولية الوطنية، لقاء أجرٍ تتقاضاه غازاً سنوياً لتغطية استثماراتها. لو افترضنا كل حقل من الحقلين في حاجة الى مئة بئر بتكلفة 6 ملايين دولار للبئر، يكون الاستثمار المطلوب مع تكلفة البنية التحتية والتجهيزات بحدود المليار دولار أي ملياري دولار للقسمين موضوع المناقصة. ولو أخذنا افتراضياً أنّ هذين البلوكين سيُنتجان 6 تريليون قدم مكعب من الغاز، بمعدل إنتاج سنوي لـ 17 سنة إنتاجية، قدره 350 بليون قدم مكعب، يذهب منها 100 بليون قدم مكعب كإيجار تكلفة لمقدمي الخدمات لاسترداد الاستثمار وتكاليف الإنتاج والأرباح، والـ 250 بليون قدم مكعب تذهب لتغطية السوق المحلية، كما ورد في الفقرات السابقة (معدل سعر 2,5 دولار/ مليون وحدة حرارية بريطانية يُعطي 625 مليون دولار للوطن اللبناني مقابل 250 مليون دولار أجور مقدمي الخدمات. وسيادة مُطلقة للوطن على مقدراته مع أقل قدرٍ من الهدر والإختلاس)، مع هامش خطأ لا يتعدى الـ 15%، وإن بقي شيء يسهل تصديره ويكون مقدمةً وتجربةً للعمل والتصدير المستقبلي. كل الوطن يشارك في العمل الشاق إعداداً وتنفيذاً ومراقبةً وأبحاثاً وتطويراً. كل القطاعات وفي مقدمها الصروح الأكاديمية، هل العلم كتابة وقراءة وإمتحانات ونظريات؟ العلم هو تطوير وتسخير المعرفة لصنع مستقبل أفضل فلتخرج الجامعات من صروحها الى معترك العمل ولتدخل الأعمال والصناعات الى صفوفها ومختبراتها. بلدنا مديون، وبالتالي عبدٌ لدينه، فلا نستفك ديناً بدينٍ جديد. لا يستفك لبنان إلا شعبهُ. صدقوني في الطروحات اللاحقة لبقية البلوكات ستكون للبنان شروط أقوى وتجربةٌ أفضل إستنتاجاً من النتائج المرجوة في الطرح الأول، وبالتالي نكون قد استعددنا للتصدير وإدارة اللعبة بحكمة ودراية وتجرّد حازم، وكلامي سيبقى حبراً على ورق.


دراسات بترولية