أيُّ خيارات بديلة يختزنها بري إذا ما أخفقت الثلاثية الحوارية؟

ماذا لو اخفقت الثلاثية الحوارية التي ستنعقد مبدئيا بعد اقل من اسبوع تلبية لدعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري؟ واستطرادا، اي صورة سيستقر عليها المشهد السياسي العام، واي سر يطوي سيد الدعوة الى الحوارات بكل مستنسخاتها صدره عليه استعدادا لملاقاة المرحلة المقبلة او التعامل معها؟


هذه الاسئلة وما يمكن ان يندرج تحتها من عناوين متصلة يتداولها بعض السياسيين على اختلاف تلاوينهم وانتماءاتهم في مجالسهم، تنطلق من اعتبار يكاد يكون حصريا وهو ان "الثلاثية" الموعودة في مطلع آب المقبل هي الذروة القصوى لمسيرة الحوار بنسخته الثالثة (منذ عام 2006) وبعدها ستكون طاولة الحوار امام امرين: إما حوار للحوار، وإما ان يطوي بري طاولة الحوار بانتظار شيء ما جديد.
لم يعد خافيا ان بري ما ابتدع فكرة الثلاثية الحوارية او الحوار المكثف تماهياً مع تجربة حوارات بكفيا المكثفة هي الاخرى في منتصف عهد الرئيس امين الجميل في النصف الثاني من عقد الثمانينات المنصرم، إلا لانه (بري) ايقن ان جلسات الحوار السابقة قد بلغت مرحلة الحائط المسدود، اذ فقد الحوار بهجته ووهجه وألقه كما لحظة انطلق ركبه وصار عبارة عن منتدى سياسي، ولم ينتج عمليا ما يمكن ان يفتح باب الخروج من عنق زجاجة ازمة الرئاسة الاولى المقفلة على شغور قاتل، ومن ازمة انتاج قانون انتخاب جديد يؤمن ظروف الذهاب الآمن الى انتخابات يرضى عنها كل الاطراف، وهما الهدفان الاسميان للحوار واللذان وضعهما رئيس المجلس قبل اكثر من عام على الطاولة البيضوية التي نُصبت في عين التينة وفي ساحة النجمة على التوالي.
وحيال هذا الانسداد الحاصل عمليا امام الحوار بشهادة غالبية حاضريه، ما كان امام بري الا السير بواحد من خيارات ثلاثة:
- إما الاستمرار في لعبة شراء الوقت وانتظار معطيات دراماتيكية قد لا تأتي على طريقة مسرحية "في انتظار غودو" العالمية الشهيرة لبريخت.
- وإما وضع كل الاطراف المشاركين، وهم عمليا كل القوى الاساسية في البلاد باستثناء حزب "القوات اللبنانية"، امام امر واقع، واستطرادا امام الفرصة الاخيرة، ليبرر(بري) لاحقا فكرة اللجوء الى الخيار المر وهو رفع الطاولة الحوارية المنصوبة منذ اشهر طويلة كليا تحت شعار "اللهم اشهد اني بلّغت وحاولت".
- وإما ان يكون في ضمير بري امر ما او مبادرة من نوع معين تكون بمثابة الخطة "ب".
في هذا الجو الضبابي وقبيل اقل من اسبوع على موعد اول ايام الثلاثية، ثمة من يلح بالسؤال: هل كان بري يقيم على وعود وتطمينات لحظة وجّه الدعوات الى الحوار وأخذ هذا الخيار الذي عدّه البعض مغامرة، ام انه حاول ان يجرب ويلقي حجراً في بحيرة السياسة المحلية التي كانت في حينه راكدة تماما تجتر نفسها؟
لا يمكن أي جهة ادعت القرب من سيد عين التينة ان ترجح كفة من الكفتين بشكل حاسم، ولكن هناك من زوار عين التينة من يؤكد ان بري اتكأ لحظة قرر الانطلاق في الرحلة الحوارية على ثلاثة معطيات وكان فعلا في مناخ انه سيحقق فتحاً في جدار الازمة، وهذه المعطيات هي:
- ان بالامكان تحقيق فك ارتباط ولو محدوداً بين الوضع اللبناني والوضع الاقليمي المشتعل، خصوصا ان الدعوة الى الحوار تزامنت مع انطلاق مفاوضات جنيف المخصصة لانتاج تسوية للوضع في سوريا. وقد بنى بري تفاؤله هذا استناداً الى اشارات التقطها من سفراء وزوار دوليين وعرب التقاهم، وكلها شجعته على الاقدام على ما اقدم عليه.
استشعر بري ان كل الاطراف يراوحون في متاهة المأزق والاحباط والقصور عن اي فعل او مبادرة نوعية خلّاقة تضع حداً للسجالات الحاصلة وتنهي التوترات الداخلية المتصاعدة، فبادر الى اجتراح فكرة الحوار يقيناً منه ان لا احد بمقدوره مخالفة الدعوة اليها. وبمعنى آخر شاء بري من خلال موقعه في المعادلة ان يضع الجميع امام الامر الواقع عسى ان يفضي ذلك الى تفاهم الضرورة على سلة تفاهمات، خصوصا امام استحقاقات داهمة كاستحقاق الرئاسة الاولى الشاغرة وقانون الانتخاب الواجب ايجاده، فضلاً عن استحقاقات اخرى مالية وامنية.
- ثمة من يتحدث همساً في اوساط بري عن اشارات ايجابية مشجعة تلقاها رئيس المجلس من قيادات في "تيار المستقبل" جوهرها: "اننا مستعدون للعطاء والتنازل اذا ما بلغت الامور مرحلة الحسم". لكن بري استشعر لاحقا، وخصوصا في الاونة الاخيرة، تراجعا من هذه القيادات بفعل تأثيرات رموز اخرى في داخل "التيار الازرق" يرفض بري التعاطي معها ويعرب دوما عن توجسه منها، مما اضطره الى الرد لاحقا على طريقته الخاصة عبر محطات متعددة ابرزها التفاهم النفطي مع الوزير جبران باسيل وتحريك موضوع الموازنة العامة، الى اعتذار الوزير علي حسن خليل عن عدم مرافقة رئيس الحكومة تمام سلام في رحلته الى القمة العربية في نواكشوط.
وهكذا يدنو موعد الحوارية الثلاثية وكل ما يمكن ان يؤشر الى نجاحها يوشك ان يكون ضعيف السند ان لم يكن معدما، لاسيما ان فكرة سلة الحل المتكاملة التي اقترحها بري كأحد المخارج عدّها بعض رموز "التيار الازرق" انها اقرب ما تكون في عمقها الى فكرة المؤتمر التأسيسي الذي يخشاه التيار.
وعليه فان السؤال الذي يطرح بناء على فرضية عجز الثلاثية عن الخروج بتسويات وتفاهمات، ماذا يمكن بري فعله او استنباطه او المضي به؟
منذ بروز نجمه في عالم السياسة في مطالع عقد الثمانينات، لم يكن بري يتخذ يوما جانب اليأس والاستسلام امام العراقيل والصعوبات التي تترصده. وعليه ثمة من يراهن على ان بري لن ييأس وان "بيته" لن يخلو ابدا من "احتياط" مبادرات إما بناء على مؤشرات او انتظاراً لمعطيات ما برحت في ظهر الغيب. في أي حال ومع ادراكه اليقيني الضمني ان السماح له او لسواه بانتاج حلول للوضع اللبناني لم يحن أوانه بعد، فان بري سيزيد وفق مقربين اشاراته السلبية حيال من وضعوا العصي في دواليب مبادرته ونكصوا عن الوفاء بتعهدات اعطوها له ولو عبر رسائل غير مباشرة، في حين ان هناك من يتحدث عن ان بري سيمضي قدماً في خيارات سياسية بديلة كان سابقا يعارض السير بها.


ibrahim.bayram @annahar.com