اردوغان يعتبر فشل الانقلاب "هدية من السماء"\r\nوقادة العالم يدعون الى احترام المؤسسات الديموقراطية

 


دعا قادة العالم الى "احترام المؤسسات الديموقراطية" بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قتل فيها 265 شخصا على الاقل في تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي والدولة المجاورة للاتحاد الاوروبي، في حين اعتبر الرئيس رجب طيب اردوغان البراغماتي المحنك الانقلاب "هدية من الله لنا لأنها ستكون سببا في تطهير جيشنا" ، محاولا بذلك الافادة الفرص التي يتيحها الانقلاب الفاشل من اجل تشديد قبضته على تركيا.
وبحث الرئيس الاميركي باراك اوباما الوضع في تركيا في اجتماع مغلق مع مستشاريه الامنيين والديبلوماسيين. واكد وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان واشنطن لم يكن لديها اي فكرة عن تدبير محاولة انقلاب في تركيا قبل بدء المحاولة مساء الجمعة. واضاف ان المحاولة نفذت بطريقة غير مهنية على ما يبدو مكررا تاييد واشنطن للرئيس المنتخب اردوغان.
وقال كيري للصحافيين الذين سألوه الى اي مدى فوجئت الاستخبارات الاميركية بما حصل: "اذا كنت تعد لمحاولة انقلاب فانك لا تقوم بابلاغ شركائك في حلف شمال الاطلسي بها".
واضاف : "فاجأ الامر الجميع بمن فيهم الشعب التركي (...) دعوني اقول انه لم يكن على ما يبدو عملا جيد الاعداد والتنفيذ، ولكن فلنمتنع عن اصدار الاحكام إلى أن تتضح الامور".
اعلن السبت ان بلاده ستساعد انقرة في التحقيق في محاولة الانقلاب ، داعيا السلطات التركية الى تقديم ادلة ضد المعارض فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي اتهمته السلطات التركية بالوقوف وراء الانقلاب.
وقال ان واشنطن لم تتلق طلبا لتسليم غولن، لكنها تتوقع ان "تثار اسئلة في شأنه".
وتتهم انقرة غولن بأنه وراء محاولة انقلاب نفذها جنود اتراك مساء الجمعة، رغم ان الداعية ندد بها بـ"أشد العبارات" نافيا علاقته بها.
وغولن (75 عاما) حليف اردوغان السابق الذي يدير من الولايات المتحدة شبكة من المدارس والمنظمات غير الحكومية والشركات، صار الخصم الاول للرئيس التركي منذ فضيحة فساد كشفت في اواخر عام 2013.
وانتقل غولن إلى الولايات المتحدة عام 1999، وعاش في منفاه الاختياري في بنسيلفانيا، ونادرا ما يظهر علنا. وقد اتهم بالخيانة في تركيا.
ولفت كيري الى ان تركيا بدأت تستعيد هدوءها بعد الاحداث المأسوية، مشيرا الى انه تم التأكد من سلامة جميع العاملين في السفارة الاميركية.
وقال ان "الولايات المتحدة تقف مع القيادة المنتخبة ديموقراطيا بلا تردد وبشكل مباشر لا لبس فيه، وتحترم القائد المنتخب ديموقراطيا... ونحن نقف الى جانب الحكومة التركية".
واعرب عن امل واشنطن في "ان تبقى الامور هادئة في الساعات المقبلة، وان تكون هناك عملية دستورية وآلية قانونية للتعامل مع مدبري الانقلاب".
وندد المستشارة الالمانية انغيلا ميركل "باشد العبارات" محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس التركي الذي دعته الى معاملة الانقلابيين وفق احكام دولة القانون. كذلك فعل معظ زعماء العالم.
الانقلاب
وخاضت قوات موالية للحكومة التركية معركة امس لسحق ما تبقى من محاولة الانقلاب بعدما لبت الجماهير دعوة إردوغان للنزول الى الشوارع وتخلى عشرات من المتمردين عن دباباتهم.
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن أكثر من 160 شخصا قتلوا بينهم الكثير من المدنيين وأصيب 1440 في أعمال العنف التي اندلعت في وقت متأخر الجمعة بعدما حاول قطاع من القوات المسلحة السيطرة على السلطة باستخدام الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية التي هاجم بعضها مقر المخابرات التركية والبرلمان في أنقرة بينما سيطر البعض الآخر على جسر مهم في اسطنبول.
واتهم إردوغان مدبري الانقلاب بمحاولة قتله ووعد بتطهير القوات المسلحة التي سبق أن نفذت عددا من الانقلابات العسكرية الناجحة رغم أن آخرها كان من أكثر من 30 عاما. وقال إردوغان - الذي شهد أيضا احتجاجات حاشدة على حكمه قبل ثلاثة أعوام - "سيدفعون ثمنا باهظا لهذا. هذه الانتفاضة هي هدية من الله لنا لأنها ستكون سببا في تطهير جيشنا."
وذكر تلفزيون تركي في وقت لاحق بأنه تجري عملية تطهير للقضاء.
وقال وزير في الحكومة إن بعض القادة العسكريين لا يزالون محتجزين رهائن لدى مدبري الانقلاب. لكن الحكومة أعلنت أن الوضع أصبح تحت السيطرة بالكامل وقالت إن 161 شخصا قتلوا واعتقل 2839 شخصا بين جنود عاديين وضباط رفيعي المستوى وبينهم من شكلوا العمود الفقري لمحاولة الانقلاب.
ولو كانت نجحت محاولة الإطاحة بإردوغان الذي يحكم تركيا منذ 2003 لكانت مثلت أحد أكبر التحولات في الشرق الأوسط منذ سنوات فضلا عن تحول كبير في أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة في الوقت الذي تحتدم فيه الحرب على حدودها.
لكن فشل محاولة الانقلاب قد يؤدي أيضا إلى زعزعة استقرار بلد عضو في حلف شمال الأطلسي يقع بين الاتحاد الأوروبي والفوضى في سوريا في الوقت الذي يستهدف فيه انتحاريون من تنظيم "الدولة الإسلامية" المدن التركية وفيما تخوض الحكومة حربا مع انفصاليين أكراد.
وتوجه إردوغان الذي كان يقضي عطلة على الساحل عندما وقع الانقلاب إلى اسطنبول جوا قبل الفجر وظهر على شاشة التلفزيون وسط حشود من المؤيدين خارج المطار الذي فشل مدبرو الانقلاب في تأمينه.
وفي كلمة لحشد من آلاف المؤيدين في المطار قال إردوغان في وقت لاحق إن الحكومة لا تزال تتولى الدفة رغم أن الاضطرابات لا تزال مستمرة في أنقرة.
وقال إردوغان إن مدبري الانقلاب حاولوا مهاجمته في منتجع مرمرة. واضاف: "قصفوا أماكن بعد رحيلي عنها مباشرة. اعتقدوا على الأرجح أننا كنا لا نزال هناك."
ولطالما كانت علاقات حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي له إردوغان متوترة مع الجيش الذي له باع في الانقلابات العسكرية دفاعا عن العلمانية رغم أنه لم يسيطر على السلطة بشكل مباشر سوى في 1980.
وأدت رؤيته المحافظة لمستقبل تركيا إلى انصراف الكثير من المواطنين العاديين عنه واتهامه بالاستبداد. واستخدمت الشرطة القوة المفرطة في 2013 لقمع احتجاجات حاشدة تطالب بمزيد من الحرية.
لكن إردوغان يتمتع أيضا بإعجاب وولاء الملايين من الأتراك ولاسيما بسبب إعادة النظام لاقتصاد كانت يواجه أزمات بشكل متكرر. وارتفع مستوى المعيشة بشكل ثابت تحت حكمه وبينما واجه الاقتصاد مشاكل خطيرة في السنوات الأخيرة فقد سجل نموا بنسبة 4.8 في المئة في الربع الأول من العام مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
لكن من المرجح أن يؤثر العنف على قطاع السياحة الذي يعاني بالفعل بسبب التفجيرات والخلاف مع روسيا الذي يبدو أنه حسم والثقة الهشة في قطاع الأعمال.
وشغل إردوغان منصب رئيس الوزراء منذ 2003 ثم انتخب رئيسا للبلاد في 2014 مع خطط لتغيير الدستور لمنح الرئاسة الشرفية إلى حد كبير سلطات تنفيذية أوسع.
ندد كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري العلماني وهو حزب المعارضة الرئيسي في تركيا بمحاولة الانقلاب الفاشلة من جانب فصيل بالجيش وقال إن دحرها يدفع الأحزاب السياسية أكثر لإيجاد أرضية مشتركة لتعزيز الديمقراطية.
أدلى زعيم الحزب بهذا التعليق في كلمة أمام البرلمان. وينظر عادة إلى حزب الشعب الجمهوري بأنه على علاقة قوية بالجيش التركي ذي النزعة العلمانية.
كما نددت الأحزاب الأربعة الرئيسية في تركيا بمحاولة الانقلاب في بيان مشترك تلي بالبرلمان.
وسيعرف اردوغان البراغماتي المحنك كيف يستفيد من الفرص التي يتيحها الانقلاب الفاشل من اجل تشديد قبضته على تركيا ولكنه يواجه خيارا صعبا.
ويقول الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن افكان اردمير: "يمكنه اما البناء على واقع ان جميع الاحزاب دعمته وان يبدأ عهدا من التوافق واما يستغل هذا كفرصة لتعزيز حكم الرجل الواحد".
ويضيف "الامر عائد له تماما، المسار الذي سيختاره ستكون له عواقب هائلة. الشق المتفائل في داخلي يفضل اختيار المسار الديموقراطي، لكن الواقعي والمتشائم يقول ان اردوغان لن يفوت مثل هذه الفرصة، وسيكون ذلك مؤسفا حقا".
ويقول مدير معهد "إدام" البحثي والباحث الزائر لدى معهد "كارنيغي" الاوروبي سنان اولغن:"سيخرج اردوغان من الوضع اقوى، ولكن السؤال هو ان كان يرغب في استخدامه من اجل اعتماد سياسة اكثر توافقية".
ويضيف "انها فرصة فريدة لتحقيق اجندة ديموقراطية اكثر طموحا. ولكن السيناريو المرجح هو ان يستخدم اردوغان هذا لتحقيق طموحاته الشخصية واقامة نظام رئاسي".