القرار اليتيم

لا يشكل قرار الرئيس الاميركي باراك اوباما تزويد المعارضة السورية أسلحة خفيفة وذخائر تحولا نوعيا، وقطعا ليس تحولا استراتيجيا، بل هو تحول تكتيكي محدود، لا يرقى حتما الى مستوى التصعيد العسكري الذي تبنته أخيرا قوات النظام التي يدعمها مقاتلو "حزب الله" وايران وترجم على الارض على شكل اختراقات في القصير ودمشق.
هذا الموقف يعكس تقويم أوباما واسلوب تعامله مع الحرب في سوريا. ومنذ بداية الحرب والى حين اصدار البيان المشترك لقمة الدول الصناعية الثماني الكبرى في ايرلندا الشمالية، كان الرئيس الاميركي ولا يزال لاعبا مترددا وحذرا نجح في مقاومة توصيات كبار مستشاريه بالتدخل في سوريا. أما قرار تسليح المعارضة، فقد اتخذه على مضض بعدما بات واضحا ان اجتياز بشار الاسد الخط الاحمر الذي رسمه أوباما في شأن استخدام الاسلحة الكيميائية يتطلب منه ان يغير حساباته كما تعهد علنا، فضلا عن ان سقوط القصير هزّ واشنطن وحلفاءها. وترجمت عبارة "تغيير حساباتي" الى الاعلان عن التسليح المحدود للمعارضة.
لكن قرار أوباما لم يرض أي طرف تماما، وهذا يشمل المعارضة التي تدفع وتضغط وربما تتوسل للحصول على أسلحة متقدمة نوعيا، ولن يرضي القرار دعاة التشدد أكثر مع الاسد وخصوصا في وزارة الخارجية، كما انه لن يرضي الحلفاء العرب والاوروبيين الذين يدعون الى دور اميركي سياسي وعسكري قيادي. ويبرر اوباما تأخره في تزويد المعارضة أسلحة بقوله إنها لم تكن منظمة او "راشدة" ما فيه الكفاية.
حتى طريقة الاعلان عن التسليح كانت خجولة وجرت في الظل بعد الخامسة والنصف مساء وفي ايجاز صحافي هاتفي اجراه نائب مستشار الامن القومي مع الصحافيين. واذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ملتزما مساعدة الاسد على الانتصار، فان الرئيس اوباما لا يتصرف قطعا كأنه ملتزم دعم المعارضة لتحقيق النصر الميداني.
أوباما لا يزال متعلقا بعقد مؤتمر جنيف - 2 مع ان سلوك بوتين والاسد لا يوحي بان المؤتمر خيار معقول في المستقبل المنظور. أوباما لا يزال يرفض فرض منطقة حظر طيران فوق سوريا، او قصف المطارات السورية، وهو امر اقترحه الوزير جون كيري أخيرا ورفضته القيادة العسكرية التي تشاطر اوباما تردده في استخدام القوة. الاسوأ بالنسبة الى المعارضة السورية هو ان اوباما سمح للرئيس بوتين في قمة الدول الصناعية ان يفرض الفيتو على أي اشارة في البيان الختامي الى ضرورة التخلص من الاسد في المرحلة الانتقالية.
سياسة أوباما حيال سوريا لا تزال مترددة وحذرة ومبنية على ردود الفعل وليس على المبادرة، وبدل ان تساهم في اضعاف الاسد وارغامه على التفاوض، فانها أدت من دون قصد الى تقويته وان موقتا.