وداعاً يا نيل

امين قمورية

سامح شكري يبحث عن السلام الدافئ في اسرائيل بعدما شبع نتنياهو دفئاً وحرارة على ضفاف منابع النيل. وزير الخارجية المصري يستجدي صلحاً وأماناً في تل ابيب ورئيس الوزراء الاسرائيلي يصول ويجول في قلب القارة الافريقية منتزعاً من قادة دول حوض النيل ما عجزت مصر عن صونه وحمايته.
يعود رئيس الوزراء الاسرائيلي من أوغندا وكينيا واثيوبيا ممسكاً في يده حنفيات نهر النيل، نبع الماء والحياة في مصر. من هناك في استطاعته ان يعطي متى شاء ويحجب متى اراد. فعندما تجلس اسرائيل على شرايين حياة المصريين والسدود، لا تتحكم بمجاري النهر فحسب بل ايضا بالمسارات السياسية لدول حوض النيل، وهي قوى فاعلة ومؤثرة في قرارات الاتحاد الافريقي.
لم يحدث ان كشفت "عورات" الامن المصري كما تكشف الآن. مداها الحيوي الشرقي مطوق بالارهاب والتمرد في سيناء وعمقه يتخبط في غزة ويحترق في سوريا، مداها الغربي مشتعل في ليبيا، ومداخل بحرها الاحمر مهددة في اليمن. ولا يكفيها ما أصابها من جرح عميق في جنوب السودان حتى جاءها الاسرائيلي من سد النهضة وبحيرتي تانا وفيكتوريا والبحيرات العظمى.
الزعماء الافارقة لا يلامون. السياسة مصالح. ناصروا طويلاً قضايا العرب ووقفوا في صفهم في المحافل الدولية. ولكن عندما تبحث مصر عن سلم أكثر دفئاً، وعندما تؤكد السعودية التزامها ما التزمته مصر في شأن جزيرتي تيران وصنافير بمعنى توسيع معاهدة كمب ديفيد، وعندما يدرج الحزب الحاكم في السودان مسألة التطبيع على جدول أعماله، وعندما تصير فلسطين في مهب النسيان، فلماذا يكون الآخرون ملكيين أكثر من الملك؟ الرئيس الكيني أهورو كينياتا قالها بوضوح: "علاقات اسرائيل بجيرانها العرب اليوم أحسن من أي وقت مضى، فلماذا ندعي نحن في القارة الافريقية اننا نعرف أفضل منهم؟".
في ما عدا مساعدات محدودة ومواقف سياسية نادرة في ظل عبد الناصر، لم يعرف الافارقة من العرب سوى تجار الرقيق وتجار الشعارات. معاجم اللغة العربية لا تنفك تطلق على قارتهم صفة "السوداء"، وفي أفضل الاحوال صفة "السمراء". وتسمي الافارقة تارة السود وطوراً الزنج. بينما كبح نتنياهو عنصريته المفرطة وسماها تودداً "القارة الجميلة". دخلها العرب بالخطب الفارغة بينما يدخلها الاسرائيليون اليوم بوعود التنمية وتقديم المساعدات الفنية والعلمية وحمايتها أمنياً من الارهاب.
المؤتمر الصحافي المشترك عن زيارة شكري لم يلحظ أي اشارة الى "الفتح" الاسرائيلي في افريقيا، شدد فقط على السلام الدافىْ. والرد الاسرائيلي جاء رمزياً لكنه صاعق بوضع تمثال تيودور هرتزل في صدر قاعة المؤتمر، كأن المضيف الاسرائيلي أراد ان يقول إن السلام الوحيد المقبول هو سلام الاذعان الذي أراده مؤسس الصهيونية العالمية.


amine.kamourieh@annahar.com.lb