لئلا يبقى قانون الانتخاب "طبخة بحص" !

ريـمون شاكر

عندما يتكلّم بعض السياسيين على التمثيل الصحيح، ماذا يقصدون؟ وكيف يتحقّق التمثيل الصحيح؟
إذا كان الـمقصود بالتمثيل الصحيح أن يتمثّل الـمسيحيون بـحجمهم الديـموغرافـي الـحقيقي، أي بـ 33٪ من الـمجلس النيابـي، عندئذ، فإنّ النسبية هي الوسيلة الوحيدة لتظهيـر واقعهم الـمزري بالشكل الصحيح، ويكون كل السياسييـن والـمنظّرين الذين يلهجون بالنسبية على حق. أمّا أن يتكلموا على الـمناصفة والنسبية فـي آن واحد، فهذا استخفاف بعقول الناس، وتـحايل على الواقع. لا يـمكن للنسبية أن تـحقّق الـمناصفة الـحقيقية مهما تشاطر الشاطرون وتذاكى السياسيون، ما دام الـخلل الديـموغرافـي يزداد يوماً بعد يوم بيـن الـمسيحييـن والـمسلميـن. كما لا يـمكن أن يـتحقّق التمثيل الصحيح فـي اعتماد الدوائر الوسطى أو الكبـرى إن كان وفق النظام النسبـي أو الأكثـري، حيث شيوخ القبائل اللبنانية يتـربعون سعداء على لوائـحهم الفضفاضة ويأتون بنواب لا يعرفهم الناس ولا علاقة لـهم بشعبهم وقضاياه. لا قانون فؤاد بطرس ولا قانون مروان شربل ولا أي قانون يعتمد النظام النسبـي أو النظام الأكثـري الـمبنـي على اللوائح يصلح لـهذا الوطن. لا اللجان الـمشتـركة ولا طاولة الـحوار ولا أي حوار آخر سيوصل إلى الاتفاق على قانون جديد للإنتخاب ما دامت نتائج هذه القوانيـن معروفة سلفاً، ولن يقبل أحد من زعمائنا الأبرار أن تنقص حصته من جنة الـمجلس النيابـي. يقول أحد الوزراء السابقيـن الذي نـحتـرمه ونـجلّه، إنّ النظام الـمختلط الذي يـجمع بيـن النسبـي والأكثـري مُعتمد فـي أكثـر من دولة فـي العالـم، وسـمّى ثلاثة بلدان : ألـمانيا واليابان وفلسطيـن ولـم يسمّ باقـي البلدان! الغريب فـي الأمر أنه لـم يذكر مثلاً عدد البلدان التـي تعتمد نظام الدائرة الفردية ! يا ليته يسمّي.
خبـر اللبنانيون النظام الأكثـري الـمستند إلى اللوائح الانتخابية والتـي ضمّت خليطاً من الطوائف والـمذاهب، وذلك، بقصد ترسيخ العيش الـمشتـرك وتـحقيق الانصهار الوطنـي. ولكن، يا للأسف الشديد، لـم تفرز نتائج الانتخابات سوى مزيد من التباعد والانقسام، فتعزّزت الطائفية وتـجذّرت الـمذهبية وازداد الشعور بالغبـن لدى الطوائف الـمسيحية بسبب تناقص أعدادها، وعدم قدرتـها على اختيار مـمثليها الـحقيقييـن، فـجاءت صرخة الألـم الأرثوذكسية عبـر مشروع "اللقاء الأرثوذكسي"الانتخابـي يفجّر قنبلة ما زالت أصداؤها تتـردّد عند كل القبائل الـخائفة على مصائرها.
يـجب أن يعتـرف الـجميع، وخصوصاً لـجنة قانون الانتخاب، بأنه لا يـمكن تطبيق الـمادة 24 من الدستور الـتـي تقول إنّ الـتمثيل النيابـي يكون بالتساوي بيـن الـمسيحييـن والـمسلميـن، ولا يـمكن تأميـن الـمناصفة الـحقيقية للتمثيل الطائفي، إلاّ إذا اختار الناس من يـمثلهم ومن يعرف مشكلاتهم وحاجاتـهم وقضاياهم. ففي غياب الأحزاب الوطنية العابرة للطوائف لا يـجوز البحث فـي مشاريع قوانيـن انتخابية لا تصلح إلاّ لبعض البلدان العريقة بأحزابـها وبرامـجها. كما أنّه من السذاجة الأخْذ بنظام معيـّن لـمجرّد أنّ دولة متقدّمة تأخذ به، أو قياساً على حالة معيّنة مهما تبدو ناجحة. فكل دولة تـحتاج إلى نظام انتخابـي يناسب تركيبتها الإتنية والعرقية والاجتماعية، والـمرحلة التـي تـمرّ فيـها من تطوّرها السياسي والاجتماعي. لذلك، لا يـمكن القول إنّ نظاماً انتخابياً هو الأفضل على الاطلاق، لأنّ النظام الانتخابـي الذي يلائـم ألـمانيا واليابان وحتـى فرنسا أو أميـركا أو مصر لا يلائـم لبنان، والنظام الذي يلائـم لبنان اليوم، قد لا يناسبه بالضرورة غداً، الـمهمّ، وقبل كل شيء، أن لا تشعر أي فئة من مكوّنات الــمجتمع بالـغبـن، وأن يأتـي تـمثيلها صحيحاً، كما حدّده الدستور، وكما هو واقعها الاجتماعي والإتنـي والـمذهبـي. فالنظام الانتخابـي الأفضل، هو الذي يـحقّق عدداً من الأهداف أو يلبّـي مـجموعة من الـحاجات، أهـمّها: الـتمثيل الصحيح، عدالة التمثيل، تكافؤ الفرص، توسيع الـمشاركة، وإنعاش الـحياة الـحزبية وتطويرها. إن الديـموقراطية الطوائفية التـي ارتضيناها وتوافقنا عليها، والتـي كرّست الـمناصفة بيـن الـمسيحييـن والـمسلميـن لا يـمكن أن تتـحقّق فـي نظام "نسبي" أو "مـختلط" مهما حاول البعض تزوير الـحقائق. فكل قانون يلحظ لوائح إنتخابية ودوائر وسطى أو كبـرى، يعنـي مـحادل وبوسطات وقضاء على الصوت الـمسيحي، إنْ كان وفْق النظام الأكثـري أو النسبـي أو الـمختلط، ويُعيد انتاج الطبقة السياسية نفسها مع بعض التعديلات الطفيفة التـي لا تغيـّر شيئاً فـي واقع الـحال. وكل قانون لا يأخذ فـي الاعتبار واقع لبنان الديـموغرافـي والطوائفي يُسبّب فتنة وظلماً وقهراً لفئة كبيـرة من اللبنانيـيـن.
لئلا يبقى قانون الانتخاب "طبخة بـحص"، فنعود مُكرهيـن إلى قانون الستيـن الذي يعمل له قسم كبيـر من السياسييـن فـي الـخفاء، حفاظاً على حصصهم "الـمنفوخة"، اقتـرحنا على اللجان النيابية الـمشتـركة، الـمأخوذة بالنظام الـمختلط، حلاً وسطاً يرضي معظم شرائح الـمجتمع، ولو لـم يكن مثالياً، وهو إجراء الإنتخابات على مرحلتيـن: الـمرحلة الأولـى تأهيل الـمرشح على مستوى الدائرة الفردية، ثـم الانتقال بالذين تأهلوا فقط إلى الـمرحلة الثانية، إن كان مع القانون "النسبـي" أو "الـمختلط" أو غيـرهـما. فالتأهيل فـي الـمرحلة الأولـى يؤمّن التمثيل الصحيح بـحدّه الأدنـى، ويـخفّف بعض الغبـن الذي أصاب شريـحة كبيـرة من اللبنانييـن طوال ربع قرن وأكثـر.

مـخـتـار الـجـديـدة