بريطانيا ترفع حرارة الصيف الأوروبي

امين قمورية

تستعد أوروبا لصيف حار فعدا أزمة اللاجئين المحتدمة وأزمات الديون، هناك استفتاء بريطاني على العضوية في الاتحاد الأوروبي التي قد ترغم الزعماء الأوروبيين على البقاء في قلاعهم الرملية لحمايتها من الانهيار بدلاً من الذهاب إلى الشواطئ والتمتع بحرارة الشمس.
فعليًّا لا توجد اسباب وجيهة تجعل بريطانيا تترك الاتحاد الأوروبي. فخروج لندن من فلك القارة القديمة ليس له معنى على الإطلاق من الناحية الجيوسياسية أو الاقتصادية، كما يقول زعماء اجانب كبار من بينهم الرئيس باراك #اوباما. لذا فإن أي تفسير لحملة خروج بريطانيا التي لا يمكن تفسيرها ينبغي أن يكون من خلال البحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي والعاطفي.
والدافع الذي يقود المؤيّدين لخروج بريطانيا هو نفسه الذي أبرزه وزير الخارجية الأميركي الأسبق دين أتشيسون عام 1962، عندما أعلن أن "بريطانيا العظمى فقدت امبراطورية ولم تعثر بعد على دور". وكما عبر عنه الكاتب إدموند ويلسون، أيضاً، عندما قال إن النخبة البريطانية كانت "غير متصالحة تماماً مع التقليل من قوة بريطانيا ما بعد الحرب". وبالفعل فان العديد من البريطانيين المؤيدين للخروج يجادلون بأن جزيرتهم الصغيرة ستظلّ عظيمة بما يكفي لكي تنفصل عن أوروبا القارية. في حين لم يكن من السهل على الطبقة الحاكمة البريطانية التي كانت متخبطة لكنها مرفّهة العثور على مجرد دور بعدما فقدت الإمبراطورية. لذا سعت الى إبقاء الشعلة القديمة مضاءة عبر مغامرات إمبراطورية جديدة، من حرب السويس عام 1956 إلى جزر فوكلاند عام 1978 إلى غزو العراق عام 2003.
اما الاتحاد الأوروبي الذي يريد بعض البريطانيين الخروج منه، فإنه، وبحسب المؤرخ الاميركي جورج اف ويل، منذ تأسيسه قبل 65 عاما كان مجرد جنين تكوّن في رحم الخوف، ثم تطور بشكل مستتر من مشروع اقتصادي إلى آخر سياسي، ولا يزال حتى الآن محوطاً بطوباوية حالمة، على رغم تحوّله إلى واقع مرير يتمثل في ركود اقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة، وبطالة متفشية وصلت في بعض دول هذا الاتحاد إلى 50 في المئة، وهو وضع فاقم منه ولع مسؤولي الاتحاد الشديد بالجوانب التنظيمية، والجرح الذاتي الذي ألحقوه بعملته اليورو، وهي عملة موحدة لدول غير متجانسة من حيث الجوهر، وليس هذا فحسب، بل إن الاتحاد الأوروبي يتخبط الآن، بسبب موجة الهجرة التي تمثل أخطر تهديد للاستقرار الداخلي في القارة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. وهكذا صار هؤلاء البريطانيون ينظرون خلف المانش ليروا يابسة تنخرها الصعاب والازمات ويتطلعون الى النأي بأنفسهم عنها بالاميال الـ 165 من المياه التي تفصل بر القارة عن بر جزيرتهم.
والمتحمسون لبقاء #بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، يأملون أن يؤدي الخوف من خروجها، إلى دفع الناخبين للتصويت لصالح استمرار عضويتها في هذا الاتحاد الذي يزداد تداعياً، بمرور الوقت. فالاستفتاء الذي سيجري بعد قرابة ثلاثة اسابيع، سيقرر ما إذا كان الخروج البريطاني سيحدث فعلًا أم لا.
والمؤيدون لبقاء بريطانيا في منظومة الاتحاد الأوروبي لا يقولون سوى القليل مما يمكن اعتباره مشجعاً وملهماً للبقاء، وفي المقابل يتبارون في تعداد الكثير من الأشياء المخيفة عن المغادرة. ويعتمد معسكر البقاء بشكل مكثف على التنبؤات المتشائمة، عن الحطام الاقتصادي الذي سيعقب خروج بريطانيا من الاتحاد، وفق دعاية تقدمها مؤسسات مثل وزارة الخزانة البريطانية، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
والعواطف تميل بشكل غير متكافئ لجانب المغادرة، وهو ما يدعو إلى القول إن المشاركة المنخفضة في الاستفتاء، سترجح خيار خروج بريطانيا، لأن الاحتمال الأكبر هو أن الراغبين في خروج بريطانيا سيشاركون في الاستفتاء على نحو أكبر، وأكثر كثافة من الراغبين في بقائها، وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن الجانب الراغب في البقاء، يتقدم بفارق طفيف، وإن كان الجانب الراغب في المغادرة يتمتع بغالبية وسط الفئة العمرية البالغة 43 عاماً فما فوق، وهي الفئة التي يرجح أنها ستشارك أكثر من غيرها في هذا الاستفتاء.
والحال أن الخروج البريطاني قد يكون سبباً في انتشار عدوى ، تشجع إعادة تكريس مماثلة للسيادة الوطنية من أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي لابل في المملكة المتحدة نفسها حيث تنتظر كل من اسكوتلندا وايرلندا الشمالية نتيجة الاستفتاء لتتصرف بموجبه وفقا لما تقتضيه مصالحهما. ومن هنا يمكن القول إن 23 حزيران هو أهم استفتاء في تاريخ أوروبا المعاصر.
amine.kammourieh@annahar.com.lb
twiter:@amine_kam