الروس يريدونها "فرق تسد"... ماذا وراء وقف قصف "النصرة"؟

محمد نمر

في ظل عجز القوى الكبرى عن تثبيت أعمدة الحل السياسي للأزمة السورية لا تزال "لغة الحرب" هي المتداولة بين الأطراف، وعلى الرغم من استخدام كل أنواع الأسلحة في المعارك بين الأطراف وأكثرها فتكاً لم يستطع أي طرف اقصاء الآخر، ولم تنجح استراتيجية روسيا العظمى القائمة على الضربات الجوية المكثفة في تغيير المشهد، بل لونته بمزيد من العمليات الدموية والتعقيد.


ويوماً بعد اخر يغرق الروس في وحول الأزمة، وحاولوا الهروب أخيرا من الخسائر التي منيوا بها بعد هجوم التنظيم الارهابي الداعشي على إحدى قواعدهم العسكرية وتدمير عدد من المروحيات لكن الدلائل والصور كانت الحكم.
دفعت روسيا النظام إلى التقدم في بعض المناطق، لكنه دفع الثمن قتلى وجرحى، وبعد اقتناعها بفشل استراتيجيتها في القضاء على الطرف الآخر او الأقل اضعافه، راحت إلى خطة "فرق تسد"، خصوصاً بعدما لاحظت أن الخسائر الكبرى للمعارضة كانت جراء خلاف الفصائل بين بعضها، فأطلت امس بقرار جديد ولافت تعلن فيه وقف غاراتها "موقتاً" على مواقع "جبهة النصرة" في سوريا، معيدة السبب في ذلك وفق وزارة الدفاع إلى تلقيها عشرات الرسائل من "الجماعات المسلحة" في مناطق مختلفة من سوريا، ضمنها حلب ودمشق، تطلب منها عدم القصف قبل أن تنتهي من النأي بنفسها من المقاتلين في "النصرة"، وأن بعض الفصائل على استعداد لتوفير معلومات عن مواقع الارهابيين. وقبل ذلك، أعلن ديبلوماسيون فشل روسيا في ادراج "احرار الشام" و"جيش الاسلام" على لائحة الارهاب .



ويبدو أن اللعب على وتر "جبهة النصرة" لن يحقق نتائجه الروسية، وقد يكون حجة جديدة لقصف مناطق المعارضة المعتدلة بحجة وجود عناصر للنصرة لتبرر في ما بعد أنها أعطتهم الفرصة للابتعاد من هذا الفصيل، لكن وفق المعلومات التي حصلت عليها "النهار" فأن الجبهة أفرغت منذ يومين مراكزها من العناصر والسلاح والذخائر، ما عدا المراكز الرئيسية تخوفاً من استهدافها من الطائرات الروسية، خصوصاً في ريف ادلب حيث ثقلها الأكبر. وتؤكد مصادر سورية أن "النصرة نقلت مركزها الأساسي إلى مطار أبو الظهور العسكري لأنه شديد التحصين ويوجد فيه ملاجىء ومخابئ تحت الأرض، ومن الصعب أن تتأثر هذه التحصينات مهما بلغت شدة الغارات".



وباتت المقار خالية، بعدما كانت في السابقة مكتظة بالعناصر ومتلاصقة مع مقار الفصائل الاخرى المعتدلة أو الاسلامية، وتقول المصادر: "معظم المقار تقع في جوار بعضها سواء من النصرة أو جيش الحر أو حركة أحرار الشام أو فيلق الشام، وأحيانا وبتوافق الأهالي يكون هناك بناء من ثلاث طبقات وكل فصيل يحصل على طبقة كمقر له، لكن تم افراغها جميعها من كل الفصائل، وباتت التجمعات بني الفصائل قليلة جداً ونادرة".
وأوضحت أن "العنصر الذي كان في احد هذه المراكز أخذ ذخيرته وسلاحه وانتقل إلى مركز آخر أو الجبهة أو المنزل بانتظار أي طارئ"، كاشفة عن أن "السلاح الثقيل تم اخفاؤه في الأراضي الزراعية مع بعض الحراس عليه فيما تم نشر جزءا منه على الجبهات".



وتواصلت "النهار" مع أحد قياديي "حركة أحرار الشام "التي اجتمعت مع ا"لنصرة "في جبهات عدة، فاعتبر حسام سلامة أن الموقف الروسي هدفه "زيادة الشقاق والصراع الداخلي في الثورة، لان الصراع الداخلي أكثر ما نفع النظام السوري وحلفائه". ونفى أي معلومات عن رسائل مع فصائل معارضة إلى روسيا في شأن الابتعاد من "النصرة"، ولفت إلى أن المقار التي تجمع الفصائل قليلة جداً وعموم الثوار ينتشرون بين أهلهم، حتى عناصر النصرة".
وحاولت روسيا أن تصوب على "النصرة" بنقل معلومات مفادها أن هذا التنظيم يهدد بمهاجمة دمشق، ويلاحظ سلامة أن "الروس يريدون من بث هذه المعلومات ان يظهروا الثورة بصبغة القاعدة وانها الأخيرة مسيطرة بشكل كبير وبالتالي يبررون حربهم على الشعب السوري بذريعة حربهم على الارهاب".



وفي شأن محاولة روسيا ادارج "الأحرار" و"جيش الاسلام" على لائحة الارهاب، يقول: "هذا أمر طبيعي فهما جناحا الثورة، واكبر قوة قرب دمشق واكبر قوة في الشمال، ووضعهما على قائمة الارهاب خطوة في محاولة انهاء الثورة تحت غطاء دولي وتحت ذريعة محاربة الإرهاب".
وبالانتقال إلى "الجيش الحر"، فيبدو أنه أيضاً اكتشف مخطط روسيا، إذ يؤكد عضو القيادة المشتركة للجبهة الجنوبية النقيب سعيد جمال نقرش لـ"النهار" أن "روسيا تهدف من قرارها إلى الإيقاع بين الفصائل وجبهة النصرة وإحداث المشاكل بينها وانعدام الثقة لأنه لمجرد قصف أي هدف للنصرة فسيكون المتهم الفصائل الاخرى، أو أن روسيا تريد ايجاد مخرج لها لتوقف القصف، لأنه لم يكن ذو جدوى ولم يحقق أي شيىء على الأرض سوى جرائم الإبادة الجماعية وتهجير السكان وتشريدهم وقتل الأبرياء".
أليس هناك من فصائل تريد الابتعاد من ا"لنصرة" ؟ يجيب: "هناك فصائل كثيرة على خلاف مع النصرة، وخصوصا في الشمال، لكن لا اعتقد أنها ستتعامل مع الروس لقصف النصرة، لأن روسيا استهدفت مقار هذه الفصائل ودمرتها".
ويعتبر أن حديث روسيا عن استعداد النصرة لمهاجمة دمشق "مثير للسخرية"، ويسأل: "هل تستطيع روسيا العظمى أن تحاصر حلب وتهجم على دمشق بوضع سوريا الحالي حتى تستطيع النصرة فعل ذلك؟".


mohammad.nimer@annahr.com.lb
Twitter: @Mohamad_nimer