أوباما... ليتك تعتذر !

راجح الخوري

"كان عمري ١٢ عاماً، وكان ذلك اليوم صحواً... فجأة رأيت صاعقة من البرق أو ما يشبه عشرات آلاف الصواعق تومض في لحظة واحدة، ثم دوّى إنفجار هائل، وفجأة ساد المكان ظلام تام. عندما أفقت وجدت شعري ذابلاً، وملابسي ممزقة، وكان جلدي يتساقط عن جسدي ولحمي ظاهر وعظامي مكشوفة. الجميع كانوا يعانون حروقاً شديدة، كانوا يبكون ويصرخون ويسيرون هائمين ممزقين وكأنهم طابور من الأشباح. لقد غطى مدينتنا ظلام دامس، بعدما كانت قبل قليل تنبض بالحياة. الحقول إحترقت ولم يعد هناك ما يذكّرنا بالحياة".
ربما على باراك اوباما ان يقرأ هذه الكلمات، التي قالتها إحدى الناجيات من قنبلة هيروشيما المذبحة الذرية الأولى في التاريخ البشري المظلم، والتي قتلت ١٤٠ الفاً قبل ان تسقط القنبلة الثانية على ناكازاكي.
ربما عليه ان يستذكر الهول : كانت قوة التفجير ١٠ آلاف طن، وتسبب بتدمير كامل لمساحة قطرها ميل وبتدمير شديد لمساحة قطرها ميلين، وفي مساحة قطرها ميلان ونصف ميل إحترق تماماً كل شيء قابل للإحتراق، واللهب إمتد الى مساحة قطرها أكثر من ثلاثة أميال.
ليس على سبيل الذكرى بل حرصاً على الأخلاق والحس الإنساني، حيال الهول التاريخي الذي أحدثته القنبلة التي ألقتها أميركا قبل ٧١ عاماً صباح ٦ آب من عام ١٩٤٥، وليس في الكلام عن هيروشيما أي جديد ولم يعد رقم الـ١٤٠ ألف قتيل مبعث هول وذعر أمام الحديث مثلاً عن سلسلة من المذابح المرعبة التي عرفها التاريخ البشري، الحروب العالمية، مذبحة الأرمن مذبحة التوتسي والهوتو، والمئتي الف قتيل في بلد بحجم تفاحة في لبنان.
لا ليس على سبيل الذكرى بل لمجرد المناسبة التاريخية ولكن بالمعنى السلبي، ذلك ان الرئيس الأميركي الذي سينتقل من فيتنام الى اليابان لحضور قمة السبع الكبرى في أيسي - شيما، سيكون اول رئيس أميركي يجرؤ على زيارة مسرح الجريمة في هيروشيما، لكن الفجيعة الفعلية أنه حرص عشية وصوله الى هناك على ان يقول كلاماً مفاجئاً تماماً، اي أنه لن يقدّم أي إعتذارات في مناسبة هذه الزيارة!
ولماذا مع أنه لم يسبق لرئيس اميركي ان وقف في هيروشيما؟
يقول أوباما بالحرف: "لأنني أعتقد انه من المهم الإقرار بأنه في ذروة الحرب على القادة ان يتخذوا كل أشكال القرارات... ولأنني أعرف بحكم تولي هذا المنصب، أن أي قائد يتخذ قرارات صعبة وخصوصاً في زمن الحرب"!
لكن إعتذاره كان ليكون فضيلة تاريخية، وخصوصاً من رئيس شن حرباً حقيقية على سلفه جورج بوش، لأنه ذهب الى الحروب الخارجية، ولأن الهول النووي الذي لوث التاريخ الأميركي يستحق إعتذاراً وبأعلى صوت!


rajeh.khoury@annahar.com.lb - Twitter:@khouryrajeh