3 أنواع مخالفات غريبة وغير متوقّعة حصلت في الانتخابات البلديّة ... المال الانتخابي ليس أخطر التجاوزات

يكفي القول أن الإيجابية الأساسية التي عكسها إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في أيار 2016، هو إجراؤها في موعدها الأصلي بعدما كانت مهدّدة بالالتحاق بـ"أخويها"، الا وهما الاستحقاقان النيابي والرئاسي. العملية التنظيميّة التي تشمل الفرز واستلام الصناديق ومحاضر أقلام الإقتراع كانت بدورها جيّدة حيث لم تسجل أي عملية رفض لطلب المندوبين الحصول على نسخة من المحضر بل بلغت نسبة التجاوب معهم 100%، كما توافرت تجهيزات الأقلام عند افتتاح عمليّة الانتخاب بنسبة 87%، فيما ضمن المعزل سريّة الاقتراع بنسبة 93.5% بحسب إحصاءات سير العملية الانتخابية التي اشارت اليها الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخاباتLADE .


لكن 3 نقاط سلبيّة مثيرة للاهتمام وغير متوقّعة متعلّقة بسير العملية النتخابية 2016 أبرزتها احصاءات LADE، فيما النسب اتت لتشكّل صدمة وتفتح النقاش حول التعاطي الخاطئ لكلّ من المرشحين والناخبين مع الحدث الانتخابي. فوصلت نسبة الترويج الانتخابي داخل او في محيط مراكز الاقتراع الى 65% وتبيّن أن 64.5% من الناخبين اقترعوا خارج المعزل، كما وصلت نسبة الفوضى داخل أقلام الاقتراع الى 40.7% وهي نسبة مرتفعة جدّاً. ناهيك بعرقلة سير العملية النتخابية او التأثير عليها التي وصلت نسبتها الى 21.3%. فيما وصلت نسبة التخويف أو الضغط على الناخبين في محيط مراكز الاقتراع الى 13%. أما عدم تجهيز أقلام الاقتراع لاستقبال الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة فكان النقطة الأبرز التي أضاءت عليها وسائل الاعلام حيث لم تتعدَّ نسبة الأقلام المجهّزة 29%. وعلى رغم أن 54.2% من أقلام الاقتراع فتحت ابوابها في الوقت المحدّد عند الساعة السابعة صباحاً، بيد أن 45.8% منها تأخّر الى حدود الساعة السابعة والنصف صباحاً. لكن هذه النسبة ورغم سلبيّتها الا ان ليس لها اي انعكاس حقيقي على مجريات العملية الانتخابية او التأثير على ديموقراطيتها، لا بل انها تدخل في وتيرة اجراءاتها الروتينية في بلدٍ كلبنان وتدلّ على الارباك وعدم التوجيه.


المال هو السلعة الأقل قيمة في الانتخابات
على رغم كثرة الملاحظات التي اعترت العمليّة الانتخابية في 8 و15 أيار الماضي، بيد أن المسألة التي استحوذت على اهتمام الرأي العام هي الرُّشى الماليّة. الأمينة العامّة للجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات السيدة زينة الحلو تلخّص ما حصل بما تسمّيه "المخالفات الكبيرة التي لها علاقة بالترويج الانتخابي، والتي ينتج منها فوضى في الاقلام وإمكان حصول أخطاء في الاقتراع لكن هذا المسار قابل للتصويب".
وتشير في حديثٍ لـ"النهار" الى أن أبرز السلبيات التي سادت هي "عدم الالتزام بالصمت الانتخابي والاستمرار في الترويج داخل مراكز الاقتراع ما ينتج منه اعمال عنف وفوضى داخل المراكز ويؤدي الى عرقلة العملية الانتخابية ويستدعي تدخل القوى الأمنية. وهذا ما يعطي الانتخابات بعداً سلبياً ويؤثّر على الناخبين بالنسبة إلى الخيارات السياسية او بالنسبة إلى مسألة ممارسة حقّ الاقتراع".


ما هي المعضلة الأساسية التي عزّزت عدم الالتزام بالصمت الانتخابي؟ تجيب أن "التعاطي القانوني مع هذه المسألة متراخٍ استنسابي، لأننا لا نملك قانوناً للانتخابات البلدية بل نعتمد على قانون الانتخابات النيابية حيث إن المعنيين يعتمدون ما يناسبهم من هذا القانون ويرمون بما لا يناسبهم منه. هذا ما يؤكّد أننا نعاني من نقص قانوني كبير لرعاية سير #العملية_الانتخابية من الناحيّة الاجرائية والادارية وتنظيم الحملات الانتخابية".


تجد الحلو أن الرشوة المادية ليست أسوأ ما يحصل خلال العملية الانتخابية لأن المخالفات الأخرى كالترويج الانتخابي والطائفي والمذهبي وتخويف الناخبين من الآخر، تؤثّر في نفوس الناس على المدى الطويل أكثر من المال. وتوثّق رأيها بدراسة أجراها المركز اللبناني للدراسات، تبيّن خلالها أن المال هو السلعة الأقل قيمة عند المرشحين والناخبين لأنه يستخدم لاستجلاب أصوات "آخر لحظة" ولا يؤثرر كثيراً في النفوس لأن المرتشي يمكن أن يصوّت لصالح اللائحة المنافسة.


وتشير الى أن "هذا لا يعني أنه لا يجب مكافحة مظاهر الرشوة المادية من الناحية الأخلاقية، لأن المواطن في هذه الحالة يعمل على اساس البعد المالي لا الانمائي. لكننا نجد ان استخدام الشعارات الدينية وشد العصب الطائفي والمذهبي في الانتخابات له وقعٌ أقوى في النفوس".


الطعن في نتائج الانتخابات: "عمليّة تراكمية لمجموعة مخالفات"
سجّل المراقبون المتجوّلون لجمعيّة LADE 735 مخالفة وضعوها في خانة إحصاءات الحوادث الطارئة. هذه المخالفات الذي وثّقت بعضها وسائل الاعلام اللبنانية، قد تدفع ببعض اللوائح الخاسرة الى تقديم طعن أمام مجلس شورى الدولة تشكّك في صحّة بعض النتائج ونزاهتها. فعلى أي أساس يتمّ الطعن في النتائج؟ وكيف يمكن اللوائح المعترضة ان تنجح في قلب المعادلة وحلّ المجلس البلدي المنتخب؟


أستاذ القانون في جامعة بيروت العربية وعضو الهيئة الادارية في الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات الدكتور علي مراد يشير في حديثٍ لـ"النهار" الى أن "الفارق بين الاستحقاقين البلدي والنيابي أن الطعن في نتائج الانتخابات البلدية يتمّ أمام مجلس شورى الدولة بيد أن الطعن في نتائج الانتخابات النيابية يكون أمام المجلس الدستوري. اذاً، القانون أعطى الحق لكل ناخب ولكل مرشح في الطعن في نتائج انتخابات المجالس البلدية والاختيارية في حدود مدّة زمنيّة لا تتجاوز الـ15 يوماً من تاريخ اعلان النتيجة وامام مجلس الشورى".


ويلفت الى أن "الطعون تتركّز حول الأخطاء في احتساب الأصوات، أو خطأ في اعلان فوز أحد المرشحين في #الانتخابات_الاختيارية على رغم أنه متقدّم لعضوية المجلس البلدي على سبيل المثال، اضافةً الى إمكان عدم اكتمال الشروط التي توثّق أهلية الترشح كأن يكون المرشّح عسكرياً أو أمّياً فيبطل فوزه".
أما النقطة الأكثر أهمية فهي بحسب مراد، المخالفات الجديّة المتعلّقة بالتزوير على مستوى واسع او عدم احتساب أصوات معيّنة او نية جرمية في المسألة. و هو يؤكّد أن "هذا الواقع لا يعني أن كلّ مخالفة جديّة تؤدّي الى ابطال المجلس البلدي والاختياري بل هي عمليّة تراكميّة لمجموعة مخالفات صغيرة تكوّن صورة متكاملة تؤدي الى الابطال".


بصيغة أخرى، اذا استطاعت إحدى اللوائح أن تثبت امام مجلس شورى الدولة ان عمليّة التزوير ليست حالة فردية وتم تقديم قرائن جديّة بأنها عملية متكاملة للتلاعب بالأصوات من خلال رشوة الناس يكون بالتالي أمام #مجلس_شورى_الدولة اسباب متينة لابطال الانتخابات على اساس أن المعيار الاساسي هو النظر في صحّة الانتخابات.


ورغم عدم تقليله من أهمية حدوث الرُّشى، الّا أن مسألة توثيقها أمرٌ صعب برأيه، لأنها تجري في غرف مغلقة ما يعني أن إمكان كشفها ليس بالأمر السهل. بيد أن توافر الأدلة القاطعة وتوثيقها يحتّم ضرورة ابلاغ الجهات القضائية المختصة. من هنا يتوجّب على كلّ لائحة راغبة في الطعن امام مجلس شورى الدولة أن تحضّر ملفاتها قبل التقدّم به.