محمد المجذوب: رجل لم يساوم يوماً!

قد تكون كلمة الأمين العام لاتحاد الكتاب اللبنانيين الدكتور وجيه فانوس في حفل تكريم دعا إليه المركز الإسلامي الثقافي لشخصيات عدة منها الدكتور محمد المجذوب في أيار 2016 أفضل تعريف لهامته "العميد مجذوب تولى مهاماً وحافظ على الامانة وخصوصاً يوم كان عضواً في المجلس الدستوري فحفظ الدستور ولم ينسَ يوماً أن الوطنية لا تكون الا بالعروبة، فآمن بها وعمل لها".
لطالما كان المجذوب علامة فارقة في الحياة الأكاديمية والسياسية من حيث تمسكه بالقيم مترفعاً عن المكاسب الصغيرة. قبل الغوص في تجربته في الجامعة اللبنانية،  نقف عند لقاءات عدة جمعتني معه في شؤون تربوية. أذكر تماماً أنه "كان يتحدث بصوت منخفض ومتواضع، يصغي بتمعن ولا يتردد في الكلام بصراحة".
خارج "سرب" التربية، حادثني عن وصية لأحد أبنائه وهو طارق الذي كان بدأ عمله في القضاء مخبراً إياه كيف وضع حداً لمن لا يراعي "حرمة" القضاء وخصوصيته. أكمل المجذوب حديثه ناقلاً لطارق مدى فخره به لأنه مستقل في قراره ومسيرته القضائية. حاول تهدئة ابنه مذكراً إياه أن ردة فعله الحاسمة في التمسك بدوره كقاض سيد قراره يدخل ضمن التربية التي سادت في منزلنا".
تحدث المجذوب عن نظافة الكف، الكرامة والاستقامة التي نشأ عليها في عائلته وتشرّبها في مدارس المقاصد. قد يكون سر نجاحه أن زوجته السيدة تمام بوبو المجذوب، التي حضرت معنا اللقاء، تؤمن بهذه المبادىء مثل زوجها الدكتور محمد وهي مسلمات نهائية نشأت عليها العائلة أي ابنه طارق وابنته ميرا.
هذا الأكاديمي المخضرم، الذي غفلت الجامعة اللبنانية عن تكريمه في يوم الجامعة اللبنانية في العام 2013 رغم تكريم 3 رؤساء سابقين للجامعة هم الدكاترة جورج طعمة، ابرهيم قبيسي وزهير شكر. سجل غياب غير مبرر لأحد رؤساء الجامعة السابقين الدكتور محمد مجذوب الذي لم يكرم في المناسبة لأسباب غير معروفة على رغم دوره الريادي في الحفاظ على استقلاليتها في الأوقات الحرجة التي كان يمر بها لبنان".
إن الدكتور مجذوب، الذي شغل منصب الرئاسة بالوكالة بين العامين 92 و93 في مرحلة دقيقة، كان على مسافة واحدة من الجميع ومنصف من دون التمييز بين طائفة وأخرى. كان يرفض أي ضغوط بأسلوب مهذب وكما يمليه عليه ضميره.
المجذوب كان مولعاً بالدفاع عن قضية فلسطين. هذا الحقوقي الذي خرج آلاف الطلاب في العلوم السياسية، آثر أن يكون قومياً عربياً في ندواته ومحاضراته. آمن بقوة الكلمة وقدرتها في إيقاظ الضمائر العفنة في قضية فلسطين. انتسب إلى عضوية مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية طوال 25 عاماً.
هذا الرجل الاستثنائي لم يؤمن بالتبعية للأحزاب بل كان على مسافة واحدة من الجميع، وربما كان بعض منهم يخشى طلب خدمة منه أو واسطة لأنهم يعون أنهم يقصدون رقماً صعباً أو شخصاً لا يساوم.
المجذوب من مدرسة الرعيل القديم الذي لا مكان له في عالمنا اليوم. هذا الرجل الذي كان له بصمات خالدة في جامعة بيروت العربية والمجلس الدستوري يستحق توثيق حياته التي فيها الكثير من العطاء والكرامة والحق.