آثار غزة المنسية...

في تقاطع من الشوارع الضيقة في المدينة القديمة في #غزة يرتفع باب اسود مزخرف يؤدي الى عالم مختلف عما حوله، هو باب قصر صغير قديم يعود الى 430 عاما.
وهذا القصر الصغير واحد من الاثار القليلة المتبقية في قطاع غزة المحاصر الذي يعاني من دمار الحروب والضغط السكاني والاهمال.
ولم يحظ المبنى الواقع في ما كان يعرف سابقا في الحي المسيحي بأي اهتمام من ذي قبل، الى ان قرر الاكاديمي الفلسطيني عاطف سلامة البالغ من العمر 46 عاما ان يعيد الروح الى هذا المبنى منفقا عليه من امواله الخاصة.
ومنذ ذلك الحين، بات مقصدا لاصدقائه وجيرانه الذين يستقبلهم في الايوان المطل على الباحة الداخلية ذات النافورة والبئر والجرار المسنودة الى الحائط.
وتحظى هذه الدار ذات الطبقتين بمميزات المباني القديمة، فسماكة جدرانها توفر الدفء في الشتاء وبرودة الجو في الصيف.
وقال عاطف سلامة: "نجحنا في دمج الحداثة مع التقليد، مع المحافظة على تراث البيوت المشرقية التي كانت منتشرة في لبنان وسوريا وفلسطين".


وعلى مرمى حجر من هذا القصر، ترتفع كنيسة قديمة، في المدينة القديمة ذات الابواب الحجرية السبعة والمنازل التراثية.


ولفت المتخصص في التراث فضل العطل الى أنه "مع النمو السكاني والطلب الكبير على اماكن السكن، ازيلت منازل تراثية لترتفع مكانها مبان سكانية في القطاع الصغير الذي يكتظ بمليون و800 الف نسمة"،
الى ذلك، اختفت بيوت قديمة تحت الطبقات الجديدة التي ارتفعت فوقها على مر الاجيال، ففي غزة، حين يكبر الاولاد ويتزوجون يبنون طابقا فوق بيت العائلة".


في هذه المدينة التي تعد من الاقدم في العالم، يمكن العثور على اثار تعود الى ثلاثة الاف و500 عام قبل الميلاد، واثار لكل الحقبات التي تتالت بعد ذلك، وفقا للخبير.
ومر على هذه المنطقة التي تصل افريقيا بآسيا الفراعنة والرومان والبيزنطيون والمسيحيون الاوائل والجيوش الاسلامية.
ويعمل فضل العطل على تعريف الشباب بتراث غزة وتاريخها، وينظم لهذه الغاية رحلات الى دير القديس هيلاريون الممتد على هكتارين جنوب غزة، مشيرا الى أن " النقود كانت هنا تسك من الذهب او الفضة، والشباب يفرحون حين يعلمون ان غزة كانت يوما ما ثرية".


ويشدد على ضرورة المحافظة على تراث غزة وتاريخها، قائلا: "من لا ماضي له لا مستقبل له، لذا علينا ان نعرف الشباب كيف كانت غزة".


في الايام الماضية، عثر في المدينة القديمة على اعمدة رخام وقطع اثرية لكنيسة تعود الى العهد البيزنطي، خلال قيام جرافات بحفر الارض تمهيدا لبناء مجمع تجاري.
وقام فنيون من وزارة الاثار والسياحة بنقل الاعمدة والتيجان والقواعد الرخامية المزخرفة، الى المتحف الوحيد في غزة "قصر الباشا" لتنظيفها وترميمها قبل عرضها.
وأوضحت المتخصصة في علم الاثار هيام البيطار الموظفة في الوزارة ان "هذه البقايا التي اكتشفت صدفة هي اثار مبنى ديني، كنيسة تعود الى العصر البيزنطي"، مضيفةً ان "كل شيء هنا يجزم ان المبنى الديني كان كبيرا، ربما كنيسة او كاتدرائية في عهد الامبراطور جستينيان الذي اهتم ببناء الكنائس الكبيرة في غزة".


وقد عثر ايضا على العديد من الطبقات الاثرية مع الحفريات منها ما يعود الى العهد البرونزي، وبعض الجثث لحيوانات وفخاريات وصحون وأوان فخارية مهشمة ربما بفعل الجرافات، وفق الخبراء.
ويشير الباحث في الاثار في الجامعة الاسلامية محمد الزرد الى أن "ضعف الامكانيات المادية وقلة الادوات والطواقم للبحث عن الاثار هنا"، مناشدا منظمة "الأونسكو" والمنظمات التي تهتم بالاثار "انقاذ اثار غزة من الضياع".


وشكلت مدينة غزة احدى المدن الرئيسة الهامة في فلسطين خلال العصر البيزنطي.
كما لم توقف وزارة الاثار والسياحة اعمال البناء في هذا المجمع التجاري الذي سيتكون من 18 طبقة والذي تملكه وزارة الاوقاف والشؤون الدينية التي تديرها حركة حماس، في ظل احتجاج مسؤولين فلسطينيين مسيحيين.
وعلى بعد نحو مئة متر جنوب شرق هذا الموقع تتربع كنيسة "القديس برفيريوس" التي بنيت في القرن الرابع الميلادي ومن الجهة الشرقية يقع المسجد العمري الكبير الذي انشئ في القرن السابع على انقاض كنيسة بنيت في القرن الخامس الميلادي.


الا ان مشاريع الحفاظ على الاثار تتطلب عملا على المدى الطويل، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عشر سنوات، عدا عن الحروب المتعاقبة.
وقال فضل العطل انه "في ظل الازمة الانسانية المزمنة والاضرار التي تقدر بمليارات الدولارات أهمل التراث وتركزت الجهود على البنى التحتية والمنازل المدمرة".
ورأى ان "الحفاظ على التراث في غزة في هذه الظروف يتطلب تدخل هيئات دولية مثل منظمة أونسكو، او مبادرات من افراد مقتدرين".
كما أكدت اننا "نمد ايدينا للجميع للتعاون في البحث في آثار غزة وتاريخها لان غزة من أقدم المدن في العالم وهي مدينة أثرية فعلا، تحت اقدامنا يوجد كنوز".