حكومة "المصالح" الوطنية تترنّح أمام الفضائح: إجراءات حازمة أو... "على الدولة السلام"

في الرواية التاريخية لبرج بابل ان الإله السرمدي فرّق الألسن أي بلبلها فجعل الناس يتحدثون بلغات متعددة ولا يفهم بعضهم على البعض الاخر، فتفرقوا. هكذا تبدو الحال في لبنان الذي يتكلم مسؤولوه كل بلغته، ويفضح الواحد الآخر، لتصبح الحقيقة عصية على فهم اللبنانيين الضائعين في تصديق "العشاق المتفرقين" والمعلومات التي يتضمنها الكم الهائل من مسلسل الفضائح المستمر من دون نتيجة عملية، اذ على رغم تبادل التهم ليس من معاقب أو محكوم عليه بالسجن أو الاعدام. وعلمت "النهار" من مصادر نيابية أن القصف العشوائي المتبادل في عدد من الملفات يعكس صراع المصالح في عدد من التلزيمات في مجالات عدة. وقد اختصر الوزير وائل ابو فاعور الوضع بقوله من السرايا: "في كل يوم تكتشف فضيحة جديدة يندى لها الجبين. بدأنا بفضيحة الانترنت غير الشرعي، وحتى اللحظة، لا ندرك نحن المسؤولين قبل أن يدرك المواطن، ما هي الإجراءات التي ستتخذ في هذا الامر ومن هو المسؤول عن هذه الفضيحة، ثم وصلنا الى فضيحة شبكة الدعارة وما فيها من مسؤوليات متعددة، وإذا لم يكن هناك موقف حازم للحكومة في الاجتماع الخميس المقبل (غداً) على مستوى إجراءات قضائية وادارية وإجراءات في المؤسسات قبل الإجراءات بحق المخالفين، فأعتقد أن على الدولة السلام وعلى المؤسسات السلام وعلى هذه الحكومة السلام".
واذا كان موقف أبوفاعور تكرر مرات عدة في الفترة السابقة وعلى لسان العديد من الوزراء، وايضا رئيس الحكومة، على رغم علم الجميع بعدم وجود بديل من الحكومة الحالية وادخال البلاد في فراغ اضافي، فان ذلك لا يعفي المجلس مجتمعاً من مسؤوليته ومسؤولية كل وزير في مواجهة حالة إستشراء الفساد والاهتراء في المؤسسات والتي باتت تنذر بانهيار كامل.
وأمس استمر التراشق بالمواقف وتدفق المعلومات في كل الملفات المفتوحة دفعة واحدة، فقد غرد رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط عبر" تويتر" قائلاً: "في خضم هذا الكم من الفضائح المالية التي تتكشف والأبواق المدفوعة التي تتناطح كسيد البلاط البلدي، هل تعلم ان شبكة الدعارة التي اكتشفت إنما كان الأمر بالصدفة ومن قبل ضابط حر الضمير، وأن هذه الشبكة تعمل منذ سنوات وبالتواطؤ مع المسؤولين الكبار في سرية الآداب؟".
وأضاف: "وهل تعلم أن قاضياً من الصقور طلب من قاض مرؤوس التمهل في التحقيق في الشبكة غير الشرعية للإنترنت، وكيف لا وكبار الأمنيين والاعلاميين والاداريين مشتركون في فرقة الانترنت غير الشرعية... أما قضية الحلوم في الأمن الداخلي فهي قديمة لكن الذئاب في السلطة يتناتشون في ما بينهم الحصص".
ولاحقا رد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بأنه كلف المفتش العام في قوى الأمن الداخلي العميد جوزف كلاس، التحقيق في ما أورده النائب جنبلاط من اتهامات بحق مسؤولين في "مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب بالتواطؤ مع شبكة الدعارة التي اكتشفت". وطلب إعلان النتائج فور انتهاء التحقيق. وفي بيان لاحق اعتبرت وزارة الداخلية والبلديات "الاستمرار وتمادي البعض بحملتهم عبر مواقع التواصل أفعالاً جرمية يعاقب عليها القانون، وبالتالي يعتبر هذا البيان بمثابة إخبار إلى النيابة العامة التمييزية".
ويذكر ان التحقيق الاولي في شبكة الاتجار بالبشر يختم خلال 48 ساعة بإشارة من النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم. وأشارت مصادر قضائية الى أن ثمة 12 موقوفاً في هذه القضية بعد الاستماع الى افادات عدد كبير من الأشخاص، بينهم الطبيب الذي أخضع فتيات كن أسيرات للاجهاض، والممرضة في عيادته.


ملف الانترنت
أما في ملف الانترنت، فقد كشف رئيس لجنة الاتصالات النائب حسن فضل الله أسماء جديدة متورطة، فيما حذر وزير الاتصالات بطرس حرب من تسييس الملف. بينما أيّد الرئيس نبيه بري ما قاله جنبلاط عن محاولة اقدام البعض على لفلفة فضيحة الانترنت. وقال: "ان هذه القضية غير قابلة للفلفة وسأتابعها الى النهاية. وهذا ما أكدته لوزير الاتصالات بطرس حرب ورأيه من رأيي ، حيال جسامة الاخطار التي وقعت في هذا الملف. ووفق ما شرح لي، فإن الموضوع لا يصدق بسسب حجم هذه الفضيحة. وسبق لي ان حذرت ورفعت الصوت جراء خطورة التنصت الاسرائيلي في العام 2013. وطلبت آنذاك من لجنة الاعلام والاتصالات مناقشة هذه المسألة، ويا للأسف لم تتابع تلك الاجتماعات، ولو اتخذت انذاك الاجراءات العقابية لما كنا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم".
وتوقف بري "عند السؤال الخطير والكبير وهو كيف تمت عملية ادخال معدات ثقيلة وضخمة الى لبنان وتعود لشركات انترنت غير شرعية اياً تكن تلك المعابر التي دخلت منها ومن غطى هذه التجاوزات"؟.


النفايات
ولكن في ملف النفايات، صورة مشرقة في جانبها الاول أي نقل الاطنان المكدسة أكثر من غير مكان، وتحديداً قرب نهر بيروت وفي جديدة المتن وفي الحازمية - فرن الشباك، حيث تبدل المشهد وفرشت الارض بمادة الكلس ريثما تجف من سوائل النفايات المتعفنة. واذ يستمر مطمر الناعمة في استقبال تلك النفايات، لوحظ ان مطمر الكوستابرافا بدأ أول من أمس باستقبال النفايات الموضبة والتي أفرغت على الشاطىء، وسط إجراءات أمنية عادية، فيما أفرغت الجرافات الحمولة في انتظار البدء بعمليات الطمر.
وصرح مختار الشويفات نسيب الجردي المُعارض للمطمر لـ"النهار": "المجزرة البيئية بدأت بحق الشويفات مع البدء بالعمل بمطمر الكوستابرافا. كان هناك حديث عن شهرين للتجهيز لبدء العمل في المطمر، ماذا حدث اليوم لمباشرة العمل؟ وأين الشهران؟ نحن على ما يبدو أمام مطمر عشوائي".


مجلس النواب والتشريع
واذا كان مجلس الوزراء سيواجه غداً كماً من الفضائح، فانه سيجد نفسه أمام جدول أعمال طويل نتيجة ارجاء جلساته أسبوعين، أبرزها ملف أمن الدولة، وأمن المطار. وفي هذا الصدد صرح وزير العمل سجعان قزي لـ"النهار": "أننا بعيداً من المزايدات الطائفية والحزبية، لا نرضى أن يكون هناك نصف رئيس ونصف جهاز". كما علمت "النهار" انه سوّي أمس موضوع التجهيزات لأمن المطار بإحالة الملف على وزارة الاشغال من وزارة الداخلية بما يتيح لوزارة المالية تمويل هذه التجهيزات.
أما مجلس النواب، فان الرئيس بري المصر على التشريع يجبه برفض مسيحي متكرر وآخره ورد أمس على لسان الكتائب، ولن يدخل بري منذ الان في مشاريع الاقتراحات والقوانين التي ستوضع على جدول اعمال الجلسة التشريعية أوائل أيار المقبل ومنها مشاريع مالية قبل التئام طاولة الحوار التي ستسبق دعوته اجتماع هيئة مكتب المجلس.
وفي معلومات "النهار" ان هناك نحو 150 مشروعاً واقتراح قانون منجزة داخل اللجان النيابية، وبالتالي فهي جاهزة أمام الهيئة العامة للمجلس، الا ان بتها سيحتاج الى اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب، لوضع الضروري منها فقط على جدول جلسة التشريع المزمع عقدها.
ومن هذه المشاريع، بعض البنود المالية مثل فتح اعتماد مالي عبر سلف خزينة من الـ2012 لتغطية الفوائد المدفوعة، وفتح اعتماد مالي آخر لتغطية العجز في الرواتب والاجور لبعض الادارات العامة.
وهناك أيضاً بعض الاقتراحات ذات الطابع الاجتماعي، مثل اقتراح قانون افادة المضمونين المتقاعدين من العناية الطبية، واقتراح قانون يتضمن التعديلات على قانون الايجارات.
وقالت مصادر نيابية لـ"النهار" إن بري سيكرر السيناريو السابق وسيحمل المقاطعين مسؤولية عدم دفع رواتب موظفي القطاع العام.


سماحة
قضائياً، تعقد محكمة التمييز العسكرية جلسة غداً في ملف الوزير السابق ميشال سماحة. وبعد المرافعات تعلن المحكمة ختم المحاكمة، ويعاد توقيف سماحة قانوناً شأن توقيف كل مُخلى عند صدور الحكم في الملف المدعى عليه فيه، الى حين إفهام الحكم.
وتتوقع مصادر قضائية ان يحكم بالسجن سبع سنوات وأكثر أمضى منها في السجن أربع سنوات ونصف سنة سجنية وأخلته محكمة التمييز العسكرية عند انتهائها وتابعت محاكمته.