طالبان" سلعة و"إمارة" على الهواتف الذكية!

سوسن أبوظهر

كأي سلعة أخرى، سواء كانت ماركة لملابس أو مطعماً أو صفحة للأبراج وجلب الحظ، كلعبة تقتل الوقت والذكاء أو مجرد تطبيق للتخاطب الهاتفي المجاني من دون استخدام الشبكات الأرضية، كان ممكناً قبل أيام تنزيل تطبيق لحركة "طالبان" على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية العاملة بنظام "أندرويد".


على مدى يومين كان متاحاً على "البلاي ستور"، وهو المتجر المفتوح للتطبيقات، متجرٌ نعم، فكل ما فيه سلعة، و#الإرهاب بضاعة استهلاكية تغري جمهوراً متزايداً. يومان كاملان مرا قبل أن ينتبه القيمون في "غوغل" على الأمر. صحيح أن التطبيق حُذف، لكن التساؤلات التي أثارتها سهولة نشره والتأخير في رصده لا تزال قائمة، سواء بالنسبة إلى القدرات التقنية التي اكتسبتها الحركة والثغرات التي يمكن الإفادة منها للوصول إلى كل جهاز محمول.
في الأول من نيسان، ولم يكن الأمر كذبة، رصد موقع "سايت" المتابع للإصدرات الالكترونية للتنظيمات المتشددة، وجود "#طالبان" في "البلاي ستور". وأتاح التطبيق، وهو بالباشتو، الدخول إلى صفحة الحركة على الانترنت، وهي بخمس لغات بينها الإنكليزية والعربية، ومتابعة أنباء قيادتها خصوصاً بعد المصالحة بين أبناء الملا محمد عمر وخليفته الملا أختر منصور، إلى مشاهدة فيديوات لعملياتها العسكرية والاستماع إلى خطب حماسية لقادتها الميدانيين.
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد الأحد أن التطبيق "جزء من جهودنا لاستخدام التكنولوجيا لاكتساب جمهور عالمي أوسع" والوصول إليه بطرق أسهل، مع العلم أن الحركة موجودة في موقعي "فايسبوك" و"تويتر". لكن الحسابات هُناك تتعرض للإقفال المتكرر، سواء من السلطات الأفغانية أو الهيئات الأميركية، الأمر الذي كان ليجعل الدعاية، وربما التجنيد، عبر "البلاي ستور" أكثر حرية ويُسراً.



وبرر مجاهد اختفاء التطبيق بأنه موقت، في إطار إصلاحه وتحسينه، نافياً حذفه ومنعه. وأكد في حديث آخر مع "وكالة الصحافة الفرنسية" أنه سيُعاد "قريباً"، وسيكون ثمة نسخة فارسية منه. غير أن "غوغل" الذي اعتمد أخيراً ومتأخراً إجراءات لمراقبة مضمون التطبيقات، أقر بتدارك الاختراق بإزالة ما بثته "طالبان" نظراً إلى مخالفته قواعده المعلنة برفض كل ما يحض على العنف والكراهية، كما أوقف حساب واضِع التطبيق.
ووفق صحيفة "الدايلي تلغراف" يُقدر عدد التطبيقات في "البلاي ستور" بنحو مليونين، بينها نصف مليون أُضيفت العام الماضي بمعدل المئات يومياً، مما يجعل مراجعتها قبل الموافقة على نشرها عملية معقدة، لكنها متراخية بعض الشيء إذ لا تتطلب أكثر من ساعات عند "غوغل"، بينما تُعد أكثر صرامة لدى "آبل"، المنافسة التقليدية.
وهذه المرة الأولى يجد "البلاي ستور" بين "بضائعه" منتوجاً لمنظمة تُصنف إرهابية، مع العلم أنه أزال قبل عامين تطبيقين يحاكيان قصفاً اسرائيلياً لـ"أهداف إرهابية" في قطاع غزة. حينها أيضاً، استدرك "غوغل" الأمر بعد حملة طالته على "تويتر" رفضاً للترويج المجاني للقتل العشوائي للفلسطينيين.
وسبق لـ"تويتر" نفسه إقفال أكثر من 125 ألف حساب تحض على العنف والإرهاب، وبينها العشرات مما نُسب إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") الذي يتفوق على "طالبان" بأشواط في خوض حروبه المجنونة في الساحات الافتراضية جنباً إلى جنب مع التفجيرات في المطارات والقطارات والميادين والمسارح والملاعب.



هذه المرة ذهبت الحركة أبعد من التنظيم. صحيح أنه طوًر قبلها تطبيقاً للهاتف، مستخدماً نظام "اندوريد" أيضاً، لكنه كان غير متاح للعموم، على ما جاء في تقرير لـ"الكريستيان ساينس مونيتور" في كانون الأول الماضي. أما "طالبان" فاختارت الفضاء الواسع، من باب الاستعراض، ولو كان المقصودُ شريحة محددة. لنتذكر أن التطبيق بالباشتو، وليس بالإنكليزية والعربية وسواها كما حال الموقع الالكتروني. فـ"الجمهور" الذي قصده ذبيح الله مجاهد محلي في المقام الأول، وإن تحدث عن "العالمية". الهدف استعادة الأرض في الداخل حيث صار لـ"داعش" جمهور كبير بين الأنصار التقليديين لـ"طالبان"، خصوصاً في شرق البلاد، ومنهم "مهاجرون" مِن هناك إلى ما يعتبرونه "أرض الخلافة" لهثاً وراء سراب جهاد مزعوم.
ومن المفارقات أن تكون "#الإمارة_الإسلامية"، الاسم الذي استخدمته الحركة المتشددة لنظامها الذي حكم أفغانستان بقبضة من بطش ورعب منذ عام 1996 حتى سقوطه بعد هجمات 11 أيلول 2001 واستعادَتهُ عنواناً لا يخلو من الدلالات للتطبيق، تجد خصماً لها في تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يستوحي الكثير من ممارساته المرعبة من سجل "طالبان" نفسها. وكان ذبيح الله مجاهد قال في مقابلة سابقة مع "بلومبيرغ" في شباط إن "داعش" هو "صنيعة بائسة وفوضوية للشرق الأوسط، ولا مكان له في بلادنا".
لكن من ينسى فرض البرقع وإعدام النساء في الساحات واستعباد الأخريات وتدمير تماثيل بوذا ومنع التعليم والموسيقى والتلفاز وكل الأجهزة الالكترونية وفرض الخُوات؟ أليس ذلك شبيهاً بالقضاء على آثار تدمر والموصل وسبي الايزيديات وقتل الطبيبات والنساء العاملات وعمليات الإعدام الوحشية في الرقة؟
في حُكم "طالبان" الأول كان الهاتف من المُحرمات، ومصير من يقتني جهاز فيديو الجلد علناً. صحيح أن "طالبان" لا تحكم أفغانستان رسمياً اليوم، لكنها مسؤولة، وفق أرقام الأمم المتحدة، عن 62 في المئة على الأقل من وفيات لا سابق لها سُجلت بين المدنيين العام الماضي. في زمن "طالبان" الجديد هذا، في أفغانستان كما باكستان، لم يعد الهاتف عدواً. صار، بتطبيقاته وفيديواته، سلاحاً لا يقل أهمية عن الصواريخ المحمولة على الكتف والاتجار بالأفيون. عجباً كيف تتبدل الأدوات ولا يتغير الخطاب في عالم التشدد!
sawssan.abouzahr@annahar.com.lb



twitter : @SawssanAbouZahr