عن مصير بائس في نيجيريا ومصر...

سوسن أبوظهر

لم يكن مجرد طفل إفريقي جائع وجدته امرأة أوروبية، فأطمعته وعالجته وآوته، كان منبوذاً عن قصد ليموت، هو الكائن الصغير الذي ليس له من العمر إلا سنتين لم يعرف خلالها سوى الضرب والعذاب.
انتشرت الصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم من دون التدقيق في أبعادها الإنسانية والأخلاقية. ورافقتها تعليقات شديدة السطحية كالتركيز على الأوشام التي تغطي ساقي المرأة العاريتين بدلاً من هشاشة الولد المنكوب.
ما بالنا إن كانت الدانماركية آنيا رينغرين لوفين ترتدي سروالاً قصيراً ما دام هدفها إنقاذ الطفل المرمي الذي سمته "هوب" (أمل) ومن هم مثله في بلاده نيجيريا.


هو متهم بالشعوذة، وتخلت عنه أسرته قبل ثمانية أشهر، كان حينها لم يبلغ السنة ونصف السنة. وجد نفسه مرمياً في العراء، يقتات من الدود ويقتات الدود منه، وعذراً على قسوة التعبير.
ولم تجد لوفين "هوب" بالصدفة، فهي مؤسسة منظمة خيرية تُعنى بإنقاذ الأولاد الأفارقة المنبوذين المتهمين بالشعوذة وتعليمهم، وقد أقامت لها مقراً في أويو بجنوب نيجيريا. هو كان منهكاً، ارتشف منها المياه وسقط أرضاً فغطته ببطانية ونقلته إلى أقرب مستشفى. وبعد ذلك بيومين صار قادراً على تناول الطعام. وعنه كتبت في مدونتها أنه "غدا قوياً كفاية ليجلس بمفرده. يا له من ولد صغير شجاع. ابتسم لنا ودمعت عيناي حين بدأ يلعب مع ابني. تلك التجربة الأروع في حياتي ولا كلمات يمكن أن تصفها".
آلاف من الأطفال مثل "هوب" يُتهمون بالشعوذة ويخضعون لتعذيب قاس بالضرب بالمسامير أو صب الكحول في عيونهم والحرق بالشمع والإغراق، بزعم طرد الأرواح الشريرة من أجسادهم.


في الكثير من القرى النيجيرية المحكومة بالجهل والفقر، يُشرف قساوسة على تلك الممارسات. فالمسيحية هناك أقرب إلى الممارسات القبلية التقليدية منها إلى تعاليم المسيح المنادي بالمحبة والتسامح. يقول هؤلاء إن الأولاد السحرة يجلبون الشؤم والمرض والموت إلى عائلاتهم، ويمكن أن ينقلوا لعنة الشعوذة إلى أطفال آخرين. وهم يقيمون مراسم يزعمون أنها لتطهير تلك الأجساد الصغيرة، مكلفين الأهل مبالغ طائلة. وفي حال فشلت تلك الممارسات، يكون على الأهل التخلي عن الطفل وتركه لمصير مجهول أو القبول بقتله.
وفي تقرير لصحيفة "الدايلي تلغراف" أن أولئك القساوسة يجنون مبالغ طائلة من تلك الطقوس تمكنهم من العيش الرغيد في منازل فخمة. ومن المفارقات أنهم يحددون صفات الطفل المشعوذ بما ينطبق على الأطفال عموماً في المجتمعات الفقيرة حيث تنعدم الرعاية الصحية. يقولون إن من كان دون الثانية من العمر ولا يكف عن البكاء لو أصابته حمى، يكون الشيطان استوطن جسده.


ولعل الانتشار الذي عرفته صور "هوب" يُسهم في تسليط الضوء على تلك الظاهرة المعيبة، ووجوب مكافحتها في نيجيريا وجمهورية الكونغو الديموقراطية وإنقاذ الآلاف مثله وإعادتهم إلى عالم الطفولة من دُنيا النبذ واللعنة.
قد يكون "هوب" يتجه إلى نهاية سعيدة. لكن ذلك ليس حال أحمد منصور قرني شرارة، على الأقل ليس في الوقت الراهن. عمره أربع سنوات، وذلك مُثبت في وثيقة ميلاده التي لم تشفع له لإنقاذه من حكم قضائي بالسجن المؤبد!
تداولت مواقع مصرية صورة الطفل ووثيقة ميلاده مع الحكم الصادر بحقه عن محكمة غرب القاهرة العسكرية في القضية المسماة بـ"اقتحام مبنى المخابرات العامة ومديرية الصحة".


وقال المحامي محمود أبوكف إنه أبرز وثيقة ميلاد أحمد المتهم بـ"قتل أربعة أشخاص والشروع في قتل ثمانية آخرين باستخدام الأسلحة النارية وتعمد تخريب ممتلكات حكومية واستعمال القوة والعنف وتهديد أفراد الجيش والشرطة وإتلاف متعمد لممتلكات الشرطة"!
وروى زميله فيصل السيد إن الحكم الصادر الثلثاء تجاهل وثيقة الولادة، فكان نصيب الطفل عقوبة المؤبد مع 115 شخصاً آخرين. ونقل عنه موقع "مصر العربية" أن القاضي لم يطلع على أوراق القضية وأصدر الأحكام غيابياً، مشيراً إلى وجود أشقاء للقتلى بين المتهمين بقتلهم. وأضاف :"عجز قلمي عن كتابة تعليق، نفوض أمرنا إلى الله... مؤبد للطفل الذي لم يُكمل الرابعة، فهو مولود في العاشر من أيلول 2012".
في مصر حيث صار إبداء الرأي جريمة، ورسم كاريكاتور جريمة، وإنقاذ أولاد الشوارع جريمة، وحيث تصدر أصدر الأحكام المشددة في حق الناشطين الشباب والبراءة لرجال الأعمال الفاسدين، ليس مستغرباً خروج حكم بالمؤبد على طفل... ماذا بعد؟ وهل من "هوب" بخروج أحمد منصور قرني شرارة والمصريين جميعاً من هذا القعر؟


sawssan.abouzahr@annahar.com.lb
twitter :@SawssanAbouZahr