الشيطان يكمن في التفاصيل الجرمية

في الذاكرة رأي قضائي مؤداه ان الاحكام ترتكز الى التحقيقات الاولية في الغالب للنطق بالحكم. لماذا ؟لانها تجري بصورة فورية ومباشرة بعد حصول الجريمة، في الغالب ايضا عند وجود مشتبه به يخضع للتحقيق معزول عن الخارج برمته ووجهه بوجه محقق من الضابطة العدلية. فيدلي بدلوه. بما له وما عليه.


اذا كان الفعل الجرمي من الوزن الثقيل فان تكوين الملف يكون اصعب عند اجرائه. فيتحول نظر التحقيق الى عناصر اخرى بحثا عن ادلة تعزز الشبهة في حق الفاعل الغائب. اما وقد تكون هذا الملف في حضور المشتبه به او المشتبه بهم تبقى معطيات مضمونه خريطة الطريق امام المحكمة لتبني عليه محاكمتها عند عبور الملف اليها بعد انتهاء مرحلة قضاء التحقيق. ومن هذا التحقيق الاولي تستنبط هيئة المحكمة الاسئلة التي تطرحها على المتهم لتبني قناعتها الوجدانية في لفظ الحكم.


تسميات عدة تطلق على التحقيقات الاولية. منها حجر الرحى او نقطة الارتكاز او المحور او عصارى الكلام. وفي نظر ممثل نقابة المحامين في المحكمة العسكرية المحامي صليبا الحاج ان التحقيقات الاولية هي العمود الفقري في الملف بالنسبة الى القضاء وعليها تبنى الاحكام. وباقي التحقيقات تبقى صورية في الغالب. ويعول على هذه المرحلة الاولية اهمية كبيرة لانها تؤخذ امام الضابطة الاولية حيث يتم عزل الموقوف فينقطع عن العالم لذا تكون ارادته مسلوبة.


في كثير من الاحيان يتراجع الموقوفون كليا او جزئيا عن افاداتهم الاولية خلال محاكمتهم امام المحكمة. وكثيرا ما نسمع رئيس المحكمة يقول للمتهم بعد تراجعه عن تلك الافادة انه ادلى بتفاصيل مسبهة فيها تنفي تراجعه فيجيبه المتهم انها انتزعت منه تحت تأثير الضغط المعنوي عليه في التحقيق الاولي وتعرضه للضرب. وهنا يستشف التناقض لدى المتهم بين ما ورد في افادته الاولية من تفاصيل ثم تراجعه عنها او عن جزء منها ليقرن هذا التراجع بتعرضه للضرب.


ويؤيد المحامي صليبا مسألة تعرض الموقوفين وخصوصا الموقوفين منهم في القضايا الامنية للضرب في التحقيق الاولي بنسبة عالية وهي 85 في المئة في غياب الدليل الحسي على هذه الواقعة وهو تقرير الطبيب الشرعي لتعزر وجوده، اضافة الى التحوير احيانا لعدم وجود اختصاصيين.


وتعرض الموقوف للضرب فهل ينتفى معه مضمون التفاصيل التي يدلي بها في ذلك التحقيق؟.يقول المحامي الحاج الذي يتعاطى الملفات ذات الطابع الجزائي ليس بالضرورة ان تكون غير صحيحة فهي تكون بنسبة 80 في المئة صحيحة. ونسبة 20 في المئة انتزعت باساليب غير صحيحة.


"طبعا يختلف الوضع النفسي والمعنوي للموقوف عندما يتصل بأهله ويحضر المحامي الى جانبه"،يقول. وتشكل عثرات المرحلة الاولى من التحقيق جعبة في دفاعه ويبني اطره ويقارع الملف.وغالبا ما يلجأ الى عنصر الشك الذي هو لمصلحة المتهم اضافة الى ذريعة الضرب . ولكن الشيطان يكمن في مدى التفاصيل الاولية المدلى بها من المتهم والتي تعكس حجم العقوبة التي تنتظره.


ومن جهته كمحام يتطلع صليبا الى التزام قانون اصول المحاكمات الجزائية في التحقيق الاولي لناحية مدة التوقيف الاحتياطي المحددة ب48 ساعة تجدد استثنائيا تحت طائلة ابطاله والسماح له بالتواصل مع اهله.ويرى انه عند الدخول في الحالة الاستثنائية من الناحية الامنية التي تعيشها البلاد تصبح القاعدة استثناء فيما العدالة لا تتجزأ.