أسباب التخوف الاقتصادي والاداري

الوضع المالي والاقتصادي غير مريح مهما حاول كبار المسؤولين الادلاء بتصريحات مطمئنة. فالواقع يصفعنا والأسباب كثيرة نعرض بعض اهمها تمهيدًا للبحث في ما هو مطلوب على الاقل في المستقبل القريب. ونستهل تعليقنا بالقول إننا ربما الدولة الوحيدة التي تسير من دون موازنة أقرّها مجلس النواب، ومن دون قطع حساب سنوات سابقة.
المؤشرات المقلقة:
- منذ سنوات ليست لدينا موازنة محققة بارقام شاملة.
- معدلات النمو لا تبلغ حتى نسبة 2 في المئة التي هي نسبة معدل زيادة السكان وتالياً معدل الدخل الفردي إما في جمود وإما في تراجع كلما كان معدل النمو 2 في المئة أو أقل.
- القطاع المصرفي الذي يعتبر ركيزة أساسية للحياة الاقتصادية تراجعت ارباحه على التوالي خلال عامي 2014 و2015، كما ان جزءاً غير بسيط من ميزانيات المصارف الكبرى ناتج من الوجود الخارجي ولا يمكن اعتبار هذه الموارد بمثابة برهان على الملاءة في لبنان. فهي أصلاً يفترض أن توفر الضمانة لفروع المصارف اللبنانية المعنية في الخارج، وهنالك نسبة من هذه الموارد لا تقل عن 20 في المئة تعود الى مصارف عاملة في بلدان تعرضت أوضاعها النقدية لتأخر ملحوظ ومنها تركيا ومصر وسوريا وحتى الاردن.
- القطاع الزراعي لا يستطيع تسويق انتاجه الا بصعوبة، ومع دعم لصادرات بعض المنتجات لتسليمها بحرًا في أسواق الخليج.
- الفنادق وشركات اصدار بطاقات السفر تعاني مصاعب جمة، والسفر من لبنان الى مناطق السياحة والاصطياف الخارجية بات مطلوبًا أكثر من اقبال المسافرين غير اللبنانيين على زيارة لبنان.
- هجرة الشباب صارت مطلباً لغالبيتهم حتى لو اقتضى الامر السفر في قوارب مطاط غير آمنة الى شواطئ تركيا والجزر اليونانية، وقد شهدنا وفاة عشرات اللبنانيين في هذه الاسفار المقلقة ومنهم نسبة مرتفعة من الاطفال.
- أسعار العقارات المبنية انخفضت وخصوصاً في المناطق المرغوب فيها السكن في بيروت كالأشرفية ورأس بيروت والواجهة البحرية، وفردان والصيفي بنسبة 20-25 في المئة خلال السنتين المنصرمتين، والتأثير الاسوأ يتبدى في ان الطلب على الشقق الكبيرة بات معدومًا، ولولا القروض السكنية المدعومة من مصرف لبنان لكان الوضع اسوأ بكثير.
- على رغم هطول الامطار بمعدلات مقبولة، فان المياه غير متوافرة وصهاريج المياه تسهم في زحمة السير في بيروت التي تضمّ مع ضواحيها نسبة 60 في المئة من السكان.
- أما الكهرباء غير متوافرة، والقسم الاكبر منها يتأمن بواسطة اصحاب المولدات الخاصة التي تستهلك لإنتاج كل وحدة حرارية كميات كبيرة من المازوت. كما أن تعرفة تسليمات المولدات الخاصة تبلغ أربعة أضعاف فواتير مؤسسة كهرباء لبنان التي هي أصلاً دون الكلفة، والخسارة على شبكات التوزيع والسرقات والتمنع عن الدفع تبلغ 52 في المئة، ومشاريع زيادة الطاقة مجمدة لأسباب غير معقولة، في حين ان استئجار باخرتين لتوليد الكهرباء انجز بعقد يفترض انتهاؤه بنهاية هذه السنة وبتكاليف تتجاوز ضعفي معدل الفوترة للمستهلكين لدى كهرباء لبنان. وان لم يتجدد العقد، سترتفع ساعات التقنين وليس من المنتظر زيادة طاقة المصانع بإنجاز مصنع تم التعاقد في شأنه عام 2013 في دير عمار ولا تزال عقبات ادارية ضريبية تحول دون السير بتنفيذه.
- البرهان الساطع على تراجع النشاط الاقتصادي وانطواء مقولة الاقتصاد الحر يتجلى في ان دور القطاع العام بات يتجاوز 55 في المئة من الدخل القومي، وحساب ذلك واضح على مستوى حجم الانتاج أو المداخيل القائمة لمؤسسات نعددها: مصرف لبنان، البورصة، هيئة الاسواق المالية، شركة انترا للاستثمار، بنك التمويل، شركة طيران الشرق الاوسط، شركة كازينو لبنان، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مؤسسة كهرباء لبنان، هيئات توزيع المياه، كفالات، مؤسسة ضمان الودائع؛ بلدية بيروت، الريجي، مصفاتا طرابلس والزهراني – وقد توقفتا عن العمل إلاّ لتوفير خزانات للمستوردين.
الامر الذي يسترعي الانتباه ان جميع المؤسسات المشار اليها، وليست كلها بالضرورة ملكاً للقطاع العام بمختلف أجهزته، تسيطر على قراراتها هيئات القطاع العام، وأرقام حجم عملياتها والعجز أو الوفر المتحقق لكل منها غير متاحة. نحن نعيش في حال غياب، ولدى بلدية بيروت 1.5 مليار دولار، كان في الامكان استعمال 10 في المئة منها لتحديث وعملية معالجة النفايات وتفعيلها، ومؤسسة ضمان الودائع التي تتشكل مواردها منذ عام 1995 من فرض نسبة على ودائع المصارف لديها 1.5 مليار دولار نقدًا واملاك تتجاوز قيمتها ثلاثة مليارات دولار.
قد يبدو للقارئ ان هذه الارقام توحي بصحة الاقتصاد والواقع هو غير ذلك. فهنالك مؤسسات ضمن اللائحة تواجه لو انجزت ميزانيات مدققة حقيقية عجوزات مخيفة، ومن هذه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يفترض ان تتوافر لديه أموال نهاية الخدمة، والاموال المطلوبة للضمان الصحي والتي كان من المفترض ان تغطي نسبة 25 في المئة من اشتراكاتها الحكومة أو الدولة اللبنانية وهذه الامر لم يتحقق منذ سنوات. والضمان الصحي يغطي 1.3 مليون لبناني ولبنانية وتأخير المدفوعات يحمل الكثير من المستشفيات على نقض التعاقد مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
معلوم ان ادارة مؤسسات القطاع العام منخورة بالطائفية والمذهبية والمحسوبية – ولن نتحدث عن الفساد ونزيد سوداوية الصورة – والجميع يعلمون ان ادارة كهذه لا يمكن ان تكون فعالة وعلى مستوى طموحات اللبنانيين وآمالهم.
اصلاح الادارات العامة يحتاج الى انقلاب جذري في مفاهيم الادارة وممارستها، ولم يعد من الجائز ان تبقى جميع معاملات المواطنين مرتهنة بنفسية الموظفين، والحل الوحيد يتمثل في تحويل لبنان الى بلد تسير شؤونه العامة بالبرامج المعلوماتية المتقدمة، ويكون الاشراف لمديرين على مختلف المستويات يتمتعون بالمعارف والعلم والنزاهة، ودون ذلك لا يبدو الافق واعدًا.
عام 1994 زار لبنان مهاتير محمد قائد نهضة ماليزيا وخلال حديث معه بعد مقابلة تلفزيونية اجريتها معه، سألته هل يستطيع رفيق الحريري تحقيق الاصلاح الذي يبتغيه. أجابني بأنه نية الرئيس الحريري ممتازة ولديه شجاعة، لكن التقدم يرتهن بالادارة الفعالة لدوائر الدولة وهذه في حاجة الى ترميم وتحديث.