الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أنابيب الغاز بين روسيا وتركيا والإتحاد الأوروبي

زاهي جبرائيل
A+ A-


تسود بين الإتحاد الأوروبي وروسيا علاقة إستراتيجية من مقوماتها حاجة أوروبا الى الغاز الروسي (31% من إستيرادها ) وحاجة روسيا الى العملة الصعبة من أوروبا (70% من صادرات الغاز الروسي )، فكلا الطرفين عامل أمانٍ للطرف الآخر، وفي السابق رأت ألمانيا أن استيراد الغاز الطبيعي من الإتحاد السوفياتي حاجةٌ لها فوقَّعت معه إتفاقية أثارت قلق أميركا لخوفها من ضخ أوروبا العملة الصعبة في إقتصاده.
حتى الآن، لا الإتحاد الأوروبي استطاع التخلي عن الغاز الروسي بتنويع مصادره وطرق إمداده، وهو يسعى، ولا الغاز الروسي استطاع التخلي عن السوق الأوروبية، فطرقه الى الصين والهند ليست معبّدة بالمطلق، فالإتحاد الأوروبي ولوجود البنية التحتية هو الوجهة الطبيعية للغاز الروسي. لذلك في شباط 2011 إتفقت المفوضية الأوروبية وحكومة روسيا على تأسيس تصور طويل الأمد لعلاقتهما في الطاقة يخفّف عامل الشك والخطر في الإمداد والطلب.
بالرغم من أن الإتحاد الأوروبي مُلزم باستيراد سنوي من الغاز الروسي يزيد على 115 مليار متر مكعب الى ما بعد 2020، وهو يسعى لتقليص هذه الكمية سنة 2030 لحدود الـ 65 مليار متر مكعب. وستنافس الغاز الروسي شحنات الغاز السائل والنفط النظيف ومصادر متعددة للغاز في أنابيب تربط أوروبا بالشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية ودول القوقاز، إضافة الى تطوير بعض المصادر الأخرى للطاقة. تسعى أوروبا لإقفال خطوط النقل السابقة عبر أوكرانيا والشمال واستبدالها بشبكة تتوزع أطرافها من تركيا في اتجاهات متعددة. كما تسعى لوقف هيمنة الشركات الروسية، وفي مقدمها "غاز بروم" على أراضيها. لذلك سنَّ الإتحاد الأوروبي تشريعات خاصةً في مجال البيئة والشفافية تُلزم الشركات الروسية العاملة على أراضيه الخضوع لقوانينه. و"غاز بروم" مُطالبة بأن تدفع غرامات باهظة لاتهامها بمخالفة هذه القوانين.
تعي السياسة الروسية المتغيرات الجديدة، وتدرك أن الاتحاد الأوروبي يفتش عن أمنه من الطاقة في تنوع المادة وتنوع المصدر وتنوع طرق الإمداد والتطور التكنولوجي. ومتى تمكّن من الحصول على تنوع طرق الإمداد تصبح خياراته المُتاحة متعددة، وهذا لا يتطابق مع المصالح الحيوية لروسيا لاحتواء التغيرات الخطيرة التي طرحت على الإتحاد الأوروبي بيعه الغاز على حدود أوروبا، وتتكفل الشركات الأوروبية بالتوزيع الداخلي. وطرحت أن يتشاركا خط أنابيب يصل مصادر الغاز بأوروبا عبر البحر الأسود، غيرأنّ هذا الطرح سقط لاعتراض بعض الدول أن يمر في مناطقها الإقتصادية، وقد تكون فعلت ذلك بدفعٍ من الإتحاد الأوروبي. إعتماد روسيا أن يكون ضمن الإتحاد الأوروبي أكثر من رأي لم يساعدها في إمرار مشاريعها.
يجد الإتحاد الروسي في تركيا بلداً استراتيجياً لظهيره على المياه الدافئة. تخطّى تبايناته معها حول أرمينيا وبعض دول القوقاز، ففتح أسواقه لبضائعها وشجّع مواطنيه وشركاته على إنعاش الحركة الإقتصادية فيها. وساعدها تنموياً ودعمها في مشروعها النووي للأغراض السلمية. مدّها بالطاقة بأسعار مُخفّضة، وكان متناغماً معها سياسياً في كثير من الأمور المهمة متخطياً الفارق الديني والعرقي لمصلحة البعد الإستراتيجي. ومن أجل إقفال الباب التركي في وجه التفلت الأوروبي من احتكار الغاز الروسي، اجتمع الرئيس الروسي برئيس الوزراء التركي في أنقرة، وأعلن من هنالك أن كل مشاريع واقتراحات المشاريع لأنابيب نقل الغاز السابقة أصبحت في حكم المتوقفة لمصلحة مشروع أنابيب يوصل الغاز الروسي الى الشواطئ التركية، ومن هناك يُوزع على أوروبا. هو مشروع حيوي بامتياز لمصلحة تركيا، وإستراتيجي للغاز الروسي.
ما لم يكن بالحسبان الروسي، أن الإتحاد الأوروبي دعا الى تحرير سوق الطاقة من خلال سياسة ليبرالية، وبذلك أراد فتح باب المنافسة بين الشركات، فلا تعود حصراً على شركات معدودة محظية في دولها، وفي مقدمها شركة "غاز بروم". استتبع ذلك بأن طرح إنشاء خط أنابيب في الأراضي التركية يصل أوروبا باتجاهات متعددة، وطرح أن تتشارك فيه شركات عدة إنسجاماً مع مبدأ الليبرالية. هذا طبعاً أربك الإتحاد الروسي والمفاجأة لديه كانت موافقة تركيا وتماشيها مع الطرح الاوروبي. ما زاد الأمر تعقيداً أن ترسل الحكومة التركية الى البرلمان قانون سوق الغاز الطبيعي، والذي هو قائمٌ أساساً على مبدأ الليبرالية أسوةً بالإتحاد الأوروبي. بهذا فتحت تركيا الباب أمام الشركات للتنافس بعد أن كان الأمر محصوراً بشركتها الوطنية "بوتاس"(شركة أنابيب البترول) وهذه كانت على تنسيق تام مع إمبرطورية الغاز الروسي "غاز بروم". شاهد الإتحاد الروسي ظهيره الإستراتيجي، جارته المدللة التي ما خذلته يوماً حتى في مشكلة أوكرانيا، تقفل باب العزلة عليه وتعطي المفتاح للإتحاد الأوروبي، وهذا ما لم يتقبله ولن يتقبله.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم