إيران بعد رفع العقوبات غير ما قبلها

لويس حبيقة-خبير اقتصادي

تعود إيران الى قلب المجتمع الدولي بعد الرفع التدريجي للعقوبات عنها. اقتصاد #إيران متنوع ولن يحتاج الى الوقت الطويل كي يزدهر من جديد. يتوزع الانتاج الإيراني على 50% للخدمات، 41% للصناعة و 9% للزراعة. وضمن هذه الأرقام لا يشكل القطاع النفطي بالاضافة الى الغاز خمس الناتج المحلي. ففي سنة 2011، كانت تنتج إيران 1,65 مليون سيارة سنويا. واقتصاد إيران غني بالمواد الأولية والطاقات الشابة المتعلمة داخل الحدود وخارجها. 64% من الشعب الإيراني هو ما دون 35 سنة من العمر أي هناك طاقات منتجة كبيرة. لكن هناك خللا مهما داخل الدولة في العديد من المؤشرات، أهمها أن 73% من الشعب يعيش في المدن، أي نزح بسبب الاقتصاد والاجتماع والرفاهية، ولا بد من التنبه لهذه المتغيرات التي تنعكس سلبا على البيئة والحياة المدنية والتنوع كما التوزع الاقتصادي بين طبقات الشعب.


لا تتعدى نسبة الأمية 13% من مجموع السكان و 2% فقط بين الشباب والشابات أي ما بين 15 و 24 سنة من العمر. هنالك 4,4 مليون طالب في الجامعات بينهم 60% من النساء. 44% من الجامعيين يتخصصون في العلوم أي التكنولوجيا والهندسة والرياضيات بالاضافة الى الفيزياء والكيمياء وغيرها. 13,3% من الشعب حاصل على شهادة جامعية مقارنة بـ 12,5% في المكسيك، 11,7% في البرازيل و 6,9% في أندونيسيا. ولا بدّ من العودة الى نوعية البرامج في الجامعات والمعاهد والمدارس كي تتناسب نوعية التعليم أكثر مع متطلبات وتحديات وتقنيات القرن الواحد والعشرين. العلوم والآداب تقدمت جداً في العقود الماضية، ولا بد من اللحاق بها حتى تكون الأجيال الجديدة أكثر إنتاجية واستيعاباً للمتغيّرات المتنوعة.


يبلغ الناتج المحلي 1,4 ألف مليار دولار أو ما يقارب 1,5% من الناتج العالمي أي في المركز الـ 18 عالميا. أما الناتج الفردي فيبلغ 17 ألف دولار لدولة يفوق عدد سكانها على 80 مليون نسمة، أي يتفوق على الناتجين الفرديين البرازيلي والصيني بالرغم من الحصار والعقوبات. نسبة الدين من الناتج لا تتعدى 12% وهي من أدنى النسب العالمية. هنالك ملايين الإيرانيين في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا، هاجروا قسرا بسبب السياسة كما بسبب الحياة الاجتماعية التي تعودوا عليها قبل الثورة ويرغبون في الحفاظ عليها. هنالك ملايين من المتعلمين والمتمولين الذين يستطيعون خدمة إيران وتطويرها، وهم موجودون أيضا في كل المؤسسات العالمية، وبارعون جدا في كل القطاعات والمجالات. إيران اليوم ليست إيران التي يمكن أو يجب أن تكون عليه، وعندها تصبح مفيدة ليس لها فقط، وانما لكل المنطقة بدأ من الخليج الى أقصى الحدود. واذا حررت الأوضاع الجديدة ما يقارب 100 مليار دولار من أصول الدولة الإيرانية، فهي لا شيء نسبة للحاجات المتنوعة بدءًا من قطاعي النفط والغاز الى البنية التحتية كما الفوقية من تعليم وتربية وصحة وغيرها. وتشير الدراسات الى حاجة إيران الى ما يفوق ألف مليار دولار خلال العقد القادم، لبناء وصيانة البنية التحتية فقط، أي طرق ومطارات وكهرباء ومياه واتصالات وغيرها. والسباق مع الوقت هو الأساس.


هنالك اصلاحات كبرى مطلوبة في القوانين والاجراءات الضرورية لاجتذاب الاستثمارات. ويحتاج الاقتصاد الغربي في زمن الركود الى الأموال الإيرانية. وظهرت هذه الحاجة جليا عبر شراء الطيران الإيراني لـ 114 طائرة "ايرباص" لتجديد الاسطول وتطويره وتوسيعه. ولا شك أن الشركات الأميركية وفي مقدمها "بوينغ" تنتظر بفارغ الصبر أن تسمح لها السياسة الأميركية الداخلية بالمنافسة الجدية في السوق الإيرانية المتنوعة. وكلما تأخرت أميركا، سيطرت أوروبا وربما آسيا على القدرات والمشاريع والفرص الذهبية الإيرانية. أميركا في سنة انتخابات دقيقة تتمهل جدا في اقرار خطواتها حتى لا تعيد علاقاتها الدولية الى الوراء، ليس فقط مع إيران وانما مع كوبا وأوروبا والصين والمكسيك وغيرها. فاذا فاز الجمهوريون في الانتخابات الرئاسية القادمة، ربما نشهد تراجعا أو قلبا للمواقف أو أقله تشويشا على الانجازات الديبلوماسية الكبيرة التي حققها ويحققها الرئيس أوباما.


المصلحة المشتركة


عودة إيران الى المجتمع الاقتصادي الدولي لا تعني تراجعا للدول العربية اذا أحسنت التعاون معها للمصلحة المشتركة. لكن لماذا لا نستطيع في منطقتنا التعاون الذي نجحت به كل مناطق العالم بدأ من أوروبا الى أميركا وآسيا وأفريقيا؟ كان الاقتصاد الأوروبي قريبا من الانهيار، وكان نقده في أسوأ الاوضاع واستطاع الحفاظ على حيويته واتفاقاته ومصالحه المشتركة. لماذا النجاح الإيراني يعني فشلا عربيا والعكس بالعكس؟ يجب أن تكون لنا القدرة في المنطقة على التمييز بين الغايات السياسية والمصالح الاقتصادية المشتركة التي تفيد الجميع. بعد انخفاض سعر النفط، يصبح التعاون أهم بل ضروري للانقاذ الاقتصادي المشترك أي ربما تكون الأوضاع النفطية الجديدة دافعا للتغيير. فالحاجة تبقى أمّ الاختراع حتى في منطقتنا. أما المشاريع الصناعية، فتنتظر التعاون العربي الإيراني تنويعا للانتاج ورفعا تدريجيا للدخل القومي، الذي يبقى أدنى بكثير من قدرات المنطقة البشرية والمادية. ظروف سعر النفط المنخفض يجب أن تكون دافعاً للتغيير المطلوب، ليس اليوم فقط وانما دائما بل طال انتظاره.


ما المهم بل الأهم الذي تحتاج اليه إيران اجتذاباً للاستثمارات الخارجية التي بلغت 43 مليار دولار السنة الماضية مقارنة بـ 209 مليارات دولار لتركيا التي تحتوي على عدد السكان نفسه؟ هنالك إصلاحات قانونية ضرورية تتناسب مع متطلبات القرن الـ 21 والأوضاع الاقتصادية العالمية، وذلك تبعاً للكاتبين "سايرس أمير مكري" و"حميد بغلاري" نشر في مجلة "فورين أفيرز" الرائدة في أواخر السنة الماضية:


أولاً: تقوية حماية الملكية الفكرية التي تعتبر اليوم أساس الاختراع والتجدد والابتكار. إيران غنية بكل الطاقات وتحتاج للإطار القانوني الضروري.


ثانياً: خصخصة العديد من القطاعات اذ من الصعب على القطاع العام، أي قطاع عام، القيام بالاصلاحات الضرورية الحتمية التي فرضتها العقود الماضية. المطلوب الاسراع في التنفيذ للتعويض عن الأوقات التي هدرتها السياسة لأسباب نووية أو غيرها والتي تحتاج الى دينامكية القطاع الخاص الداخلي والخارجي. ما حصل من خصخصة سابقا أي تحويل ملكية الشركات من القطاع العام الى مؤسسات يملكها أو مرتبطة بالقطاع العام ليس جيدا، بل لا يعطي النتيجة المتوخاة أي رفع الانتاجية لتحسين الاداء ورفع مستوى وجودة الخدمات.


ثالثاً: هنالك إصلاحات مالية واقتصادية ونقدية ضرورية، يجب تنفيذها كي يستطيع القطاع العام التأثير ايجابا على المؤشرات الاقتصادية. ومن الضروري تحديث دور المصرف المركزي، أي تقوية الاستقلالية لمحاربة التضخم بجدارة وهو ما تحتاج اليه إيران اليوم. تشكو إيران من التضخم، أكثر من أي شيء آخر، بسبب الاقفال العملي وليس الكلي للتبادلين التجاري والمالي الدوليين لعقود خلت.


أخيرا يمكن القول أنه اذا نجحت إيران في التخلص من قسم من العوائق القانونية والاقتصادية الداخلية، ستنمو من جديد بقوة وسرعة وتعود الى مصاف الدول المتطورة وتدخل الى مجموعة الدول العشرين لتشارك في وضع القرارات التي تلزم كل دول العالم. لا بد للحكومة الإيرانية من أن تشجع الإيرانيين الموجودين في الخارج على الرجوع أو الاستثمار، وهذا ما فعلته الهند والصين وايطاليا وما يحاول أن يفعله لبنان. هنالك مقولة لـ "ولتر ريستون" الرئيس السابق لمصرف "سيتي كورب" هي "أن رأس المال يذهب الى الدول التي تحسن استقباله، ويبقى في تلك التي تعامله جيدا". فلنتعظ ونبقي الرساميل في منطقتنا للنمو والتنمية.