خاطروا بحياتهم في البحر فوجدوا "الشرشحة"... روايات العائدين

طرابلس - رولا حميد

عندما تدفق المهاجرون نحو أوروبا، دفعهم الهروب من الواقع المأسوي الذي يعيشون، سواء في لبنان أم #سوريا أم العراق أم فلسطين أو اي دولة أخرى إلى عالم الفقر والتشرد. اندفع الآلاف في بحر إيجه يحدوهم الحلم بالوصول إلى جنات ألمانيا أو السويد أو أي دولة أوروبية فتحت لهم أبوابها بحجة إنسانية. انهم منتشرون في تلك البلاد التي تراجع فيها التناسل بدوافع أنانية، ركيزتها حب الحياة الفردية، وروّج منظرون اقتصاديون لحاجتها الى الانسان صاحب الطاقة والقدرة على الانتاج.
تعرض اللاجئون للمخاطر هربًا من موت يعيشونه، أو يستشعرون مخاطره. لم يأبهوا أن بحر إيجه ابتلع قبلهم المئات. فقد سبق أن وصل بعضهم إلى الديار الأوروبية، وأخبروا عن نتائج إيجابية تؤمِّل بحياة أفضل. علمًا أنّ منهم من عانى البطالة، ومنهم التشرد، والسكن في العراء. فافترضوا أن الحد الأدنى هناك هو أفضل من الحد الأقصى هنا. أحدثت هجرة اللاجئين موجات من البشر أقلقت الأوروبي الذي لم يتوقع ازدياد الأعداد، ولا ما يمكن أن يحمله من احتمالات سلبية. استفاق على واقعه، وراح يبحث عن لجم اندفاعة المهاجرين. وبين وهم أولئك، وقلق هؤلاء، وقع ما لم يكن في الحسبان: تحوّلت الموجات إلى حالات معاكسة، وعودة سريعة للاجئين إلى بلادهم.
أحد العائدين من السويد أحمد الأحمد (20 عاما) هو نجار من #الميناء، روى قصته: "سافرت لأن لبنان لم يعد فيه عمل، واعتقدت أنه يمكن أن تتحسّن حالتنا في السفر. سافرت إلى السويد، وعلى الطريق أخذونا إلى مناطق بعيدة لا نعرفها، وتركونا في المجاهل، وفي الأماكن المهجورة. وفي السويد، وبعد مرور أربعة أشهر، لم يختلف الوضع هناك عن هنا. وبتنا نلمس أن هنا رغم علله، أفضل من البقاء هناك، وغالبية الراحلين غير مرتاحين".


هاجر أحمد من تركيا إلى اليونان، فمقدونيا وصربيا وصولا إلى السويد، ويقول: "عند وصولي، تقدمت بإنجاز معاملاتي، وبطلب لجوء، وفرزونا، ووضعونا في كمب(مخيم)، وبعد أربعة أشهر لم ألمس أي اهتمام بنا، ولا أيّ حياة اجتماعية هناك، وكل ما كان أمامنا هو أن نموت أبطأ ميتة".
وتحدث عن تكاليف كثيرة تكبّدها، ونفذ ما لديه من أموال، وصار أهله يحوّلون له من هنا إلى هناك، وبلغت التكاليف ٣٥٠٠ دولار، ويضيف: "كثيرون يعودون...انها ظاهرة جديدة".
وأفاد أحمد أيضاً أننا "نحن كلبنانيين لمسنا أنهم يريدون السوريين فقط لأن بلادهم مدمّرة، والسوري يمكنه الدخول بارتياح، ويعطونه إقامة، لكن اللبناني لا يعطونه إياها". وختم: "ما نعرفه من هنا، فيه الكثير من التضخيم، وما رأيناه هناك شيء لا يذكر. السفر لا يستحق كل هذا العناء، والتعرّض لمخاطر الموت".


"ماتوا خلال الرحلة..."
مهاجر آخر من العائدين هو مصطفى سلواية (٢٩ سنة)، يعمل في تصنيع وبيع المعجنات، قال: "رحلت بحثاً عن النظام والهدوء، ولكنني لم أستطع تحمّل البعد عن عائلتي، فعدت من أجل عائلتي بعد ثمانية شهور. وصلت إلى السويد عبر تركيا. وخلال رحلتنا مات معنا أشخاص عدة غرقًا و"تبهدلنا"، فالزورق الذي كنت فيه، غرق منه شخص لم نتمكن من إنقاذه. زودياك طوله سبعة أمتار هو الذي أقلنا، وجنح بنا مرات عدة، وكان على متنه ٤٧ راكباً، بينما يجب أن لا يزيد عدد ركابه عن العشرة".
اضاف: "تحملت مخاطر السفر، لأنني كنت أحلم بالوصول إلى بلد أجنبي، وأنا سوري من مواليد لبنان، أمي وزوجتي لبنانيتان، ولدت وعشت هنا، ومن حقّي الحصول على الهوية اللبنانية، لكن هذا صعب المنال. ولد لي ولد في الشهر السابع، وكلّفتني الكوفوز (الحاضنة) آلاف الدولارات...بقيت ثمانية أشهر في السويد، واستغرقت الرحلة شهرين، وعدت لأن عائلتي هنا. أتمنّى السفر لاحقا ولكن يستحيل أن أدع ابني يركب البحر".
وأكد أن "كثيرين من اللبنانيين ومن جنسيات أخرى يعودون، بعد أن انكشف لهم أن بلادنا، رغم سلبيّاتها أفضل من بلاد الاوروبيّين الصعبة".


"شرشحة"
عبد القادر الشغري هاجر كما بقية الشباب. لديه خمسة أولاد، روى أنه لم يعد يستطيع تغطية نفقات حياة العائلة، فابنته وصلت إلى مرحلة متقدمة من الدراسةالجامعية، ولن يستطيع تغطية نفقات دراستها بمدخوله كعامل "فاليه باركينغ" في أحد مطاعم طرابلس. عدا عن أقساط أولاده الباقين. تحدّث عن المشقات التي واجهها في رحلته، وعمّا يمكن تسميته "الشرشحة" في التقديمات التي تقدم للاجىء. يعرض تسجيلات صوتية لرفاقه الذين يريدون العودة، وفيها الكثير من شتم للهجرة، والتوق للعودة إلى لبنان. عرض معاناته في الوصول إلى السويد، وكيف قطع جبال "بودروم" في تركيا مشيا على الأقدام ليختصر مسافة عبور البحر، رغم أنه غادر مطلع الصيف. وفي السويد، كثرت الطلبات وقلت العطاءات، وبعد شهر لمس أن ما كان يحلم به لتغطية حاجات عائلته أقل بكثير مما يدّخره في لبنان. وبينما هو يصارع نفسه للعودة، جاءه طلب خروج من السويد، بسبب تعقيدات الإقامة. فانتقل إلى ألمانيا، عابرا محطات مختلفة بين مدن ألمانيا، وقطاراتها، ووسائط النقل فيها، إلى أن عاد إلى عمله السابق: "فاليه باركينغ ولا جنة الأوروبيين"، كما قال. يؤكد الشغري أن عودة المهاجرين بدأت، وعادت أحياء المدينة تستقبل وجوهًا فقدتها في الشهور الفائتة.


السجون جانب آخر من حكايات اللجوء يعانيها عدد منهم وهي إحالتهم إلى المحاكم والسجون، رغم أن السلطات الأوروبية تعرف أن أغلب المهاجرين يرحلون بطرق غير قانونية. ويتحدث اللاجئون عن المافيات التي تتحكم بعمليات الهجرة. من المسجونين بتهمة الدخول غير الشرعي إلى اليونان الشاب البرتو كيال الذي يناشد أهله السلطات اللبنانية التدخل وإيجاد حلّ لمشكلته، وتروي العائلة، وشقيقه كارلو أنه أوقف بتهم غير صحيحة وهي انه كان يقود زورق نازحين . كارلو أفاد أن "شقيقه غادر ويده مكسورة، وأجريت له جراحة قبل سفره. وفي طريقه، تعرض لصدمة، فخرج القضيب المعدني من يده. وأجريت له جراحة سحب القضيب في اليونان. مما يعني أنه لم يكن قادرا على قيادة الزورق". كذلك يعاني ألبرتو من حالة نفسية تحتاج إلى طبيب متابع، ودواء دائم. وإلى محام يتابع قضيته لدى السلطات اليونانية. "المحامي يطلب خمسة آلاف دولار، والعائلة لم تؤمن منها إلا ألفين كما قال شقيقه، الذي أضاف: "حدثنا عن الظلم الذي يتعرض له اللاجئون، والأثمان الباهظة التي يجب أن يدفعها الانسان حتى ينال بعضًا مما يريد. على الانسان أن يدفع ما فوقه وتحته لكي تسير أموره. حتى ان السجين اذا اراد الانضمام الى بقية السجناء في غرفة الجلوس بهدف تمضية الوقت، والتسلية، عليه ان يدفع اموالا لقاء ذلك".