اترك عباءتَكَ النبويّة الحمراء على رجالِ الكنيسة

الشدياق يوسف "رامي" فاضل

أترك عباءتك الحمراء علينا ها أنت تختم ثورَةَ حياتِك بالرحيلِ الصامِتِ إلى سيِّدِك في تذكارِ الليلَةِ التي تجسَّدّ فيها بصمتٍ وسُكون! ها أنتَ تعودُ إلى حيثُ تاقَت نفسُكَ طوال عمرك المديد، وتختم سفر نبوءتك بعد أن طَبَعتَهُ بجهادِ الصادقين وبجنونِ الذين لا يملكون شيئًا ولا يُستَملكون لشيءٍ أو لأحَدٍ ولكن قبلَ أن ترحَل إلى حيثُ ستُتابع عمَلَكَ بالمجدِ والقيامة، أسألُكَ أن تَترُكَ عباءتَكَ النبويّة الحمراء على رجالِ الكنيسة التي أحببت، وعلى رجال الله الذي إليه تُقت. تتحرَّر من قيود الزمان والمكان وأنت الذي سعيت إلى الحرّية بكلِّ ما لديكَ من فقرٍ وصوتٍ وروح. تتحرَّر إلى المسيح وأنتَ الذي ناديت بتحرير المسيح من أعباء ثقافتنا وتقاليدنا ومن قيودِ أشكالِ التديُّن بجميع أشكالِهِ. ما أحوجنا إليك في هذه الأيام يا أبونا غريغوار. ما أحوجنا إلى زهدك بالألقاب وبالأمجاد الباطلةِ، ما أحوجنا إلى من يعرف رائحة الخراف ورائحة الأرض كما يعرف رائحة البخور وزهور الكنائس.



يواكيم مبارك، ميشال الحايك، أنطوان حميد موراني، إسطفان هكتور الدويهي... أفسحوا المجال لنبيٍ جديد يَنضَمُّ إليكم، أفسحوا المجال لمن حمل معكم الهمَّ والغمَّ ولمن ذاق الأمَرَّين مِمَن سَكَبَ ذاته طيبًا على أقدامِهِم. هي السماء تزداد نورًا وألقًا بك يا أسقف الفقراء، فتقدَّم إلى المجد المعدّ لكَ في حضرة أبيك. تقدَّم كما أنت واحمل همومنا معك يا هديَّتنا إلى السماء في ليلة تجسُّدِها. أترك عباءتَك الحمراء علينا واصعد. فالحياة في الرتابة آمنة وسهلة، ولكن لا حياة خارج المغامرة الجذريّة التي دعانا إليها المعلِّم والتي تلقَّفتها ككرةٍ مشتعلة بين ذراعيك، وما لبثت أن تحوَّلت إلى كرة ثلجٍ عابرة لحدود الطوائف والمذاهب والأديان. ما لبثتْ أن تحوَّلت إلى حركة إجتماعيّة يُشعلُها الروح الذي أشعَلَكَ قنديلًا لنا في ليلِ حروبنا وصراعاتنا الطويلة.


أترك عباءَتَكَ الحمراء علينا واصعد. فالزمن زمن خلاص، والمهادنة ترفٌ لا نملكهُ في هكذا ظروف، والصبر بات يهربُ منّا كوننا إستنفذناه حتى قطراته الأخيرة. أترك علمانيَّتَك علينا واصعد، فاللغة لغة تكفير، وفلسفة القطيع ما عادت تجدي نفعًا وما عادت تتقدَّمُ بنا إلّا إلى التقوقع في الموت، أترك رؤاكَ علينا واصعد، فأفاق رؤيتنا ضبابيّة، وأفاقك تصلح لجيلنا وزمننا وتصلح لأجيالٍ قادمة تحمل صدى صوتك من دون أن تراك، أترك الموت علينا واصعد إلى الحياة علَّنا إذا متنا مرَّةً على هذه الأرض نُبعَثُ من جديدٍ في الحريّة التي أردتها لنا، أترك العباءة والعلمانيّة والرؤية والموت علينا وأشح بوجهك عنا علّكَ عندما تصلُ إلى السماء تنظر إلينا فترى النفوس أزهرت والضمائر أينعت والأرض التي أحببت أصبحت كالسماء، فنهتف معك في هذه الليلة المجيدة : كما في السماء كذلك على الأرض! آمين.