الموارنة والحقائق المرّة

علي حماده

صحيح أن "المبادرة الرئاسية" التي أطلقها الرئيس سعد الحريري شهدت عثرات كبيرة إلى درجة جعلت معها الاستحقاق الرئاسي يواجه إمكان تمديد الشغور الى أمد قد يطول كثيرا، إلا أن مبادرة الحريري أظهرت قصورا مسيحيا، وتحديدا مارونيا لا يرقى إليه شك في تعيين مصلحة تلك الجماعة العامة والدفاع عنها بوجه المصالح الخاصة التي تمعن يوما بعد يوم في ترسيخ فكرة قديمة مفادها أن المسيحيين، ولا سيما الموارنة، هم أعداء أنفسهم قبل أن يكون الآخرون أعداءهم.
هذا ليس بتهجم على الموارنة، بل ملاحظة نسمعها في البيئة المارونية، وخصوصا بين النخب التي تشاهد بمرارة كبيرة تفريغ الموقع الأول الماروني في البلد من عناصر قوته الحقيقية، تارة بحجة رفض الرئيس "الضعيف" شعبيا وانتظار الرئيس القوي لكي يستعيد "حقوق " الطائفة " المسلوبة "، وطورا بذريعة انتظار " انتصار " لمحور إقليمي على آخر ينعكس على موازين القوى في الداخل اللبناني!
وفي الأثناء يبقى منصب الرئاسة الذي يعود الى الموارنة شاغرا، على العكس من منصبي رئاسة مجلس النواب، ورئاسة مجلس الوزراء. في النهاية، تقع الخسارة الأولى على أصحاب المنصب الشاغر منذ شهور طويلة، ولا يمكن الآخرين أن يكونوا أكثر ملكية من أصحاب الحق الأول.
ولكن، إذا كان المنصب الأول مارونيا، فإنه لا يعني في أي حال أن قادتهم الذين أخفقوا حتى اليوم في حل أزمة الشغور في ما بينهم - على الرغم من تعيين أربعة متقدمين منهم - لا يعني أن إخفاقهم لا يتسبب بأضرار على البيئات الأخرى. وأيا يكن رأينا في مبادرة الحريري وفي المرشح سليمان فرنجيه، فإن القيادات الإسلامية تبدو أكثر جدية في طرح مخارج لأزمة الشغور من القيادات المارونية التي لم تفلح حتى اليوم إلا في التلاقي على تبادل " الفيتوات": الجنرال عون لا يقبل أحدا غيره، والدكتور جعجع لا يقبل بعون ولا يطرح بدائل من ترشيحه الذي يواجه "فيتو" مزدوجا من عون و"حزب الله"، والرئيس الجميل يقول انه يقف خلف مرشح 14 آذار، لكنه مرشح، ويفضل أن يصل مرشح من 8 آذار على أن يصل جعجع. أما النائب فرنجيه، فإنه بعد تجربته الأخيرة مع " شبق" عون الرئاسي، قد نراه أقرب إلى المرشح الوسطي الذي ينظر بمرارة إلى تعامل حلفائه معه لحظة الحقيقة، وبات، إلى "الفيتو" على جعجع يضع ضمنا "فيتو" على عون يعزز أحقادا حقيقية تضاف إلى أحقاد قديمة ترسخ على مدى عشر سنوات . في مطلق الأحوال، كان لا بد من تذكير الزعماء الموارنة بأن الرئاسة شاغرة . أما الحقوق فمآلها الى الضياع عندما لا يحسن أصحابها الحفاظ عليها، مكتفين برمي البيئات الأخرى بتهمة الافتئات عليها. وفي النهاية لن يبقى على هذه الأرض إلا الأقوى والأكثر التصاقا بحقائق التاريخ!


ali.hamade@annahar.com.lb