إنّما جبرانُ سطورٌ ... كُتبت بقدس الدماء

"كانون". في لغة الضّاد هو الموقد. في لغة الوطن هو الشهر الذي أوقد حبراً حتى استحال حرّيّة. كانون الأوّل ... رزمة أيّام ساحرة، فيها يحتفل المسيحيّون بميلاد السيّد المسيح. ولات وقتَ حزن. أو بلى ...


ننسى أحياناً أنّ الأفراح تنمو في وسط الأتراح. ولد لنا النور، لكنّه لم يشقّ طريقه في النور. نغرق في زمن الميلاد وفي حسباننا أنّه زمن بهجة فقط. نسينا أنّ مريم ويوسف هربا الى مصر يعانقان الصعاب بسبب هيرودس. الميلاد لم يكن سهلاً. في بيت لحم، الحياة لم تسبقها الحياة، بل سبقها الموت. كانون مؤلم.


الخلاص شاقّ. أطفال بيت لحم لفظوا أنفاسهم العبقة. أنفاس امتزجت بحرقة إرميا. "صوتٌ سُمِع في الرامة، بكاءٌ ونحيبٌ كثير. راحيل تبكي أولادها، وقد أبَت أن تتعزّى، لأنّهم زالوا من الوجود".


اليومَ، ما أشبه "ستّ الدنيا" براحيل الأمس. بيروت تأبى أن تتعزّى. جبران نفض عنه غبار الوجود. ولا ذنب للوجود. قد عجزت رحابه عن أن تتّسع لحرّيّة بلا حدود. يتعلّق البشر بالذكرى، فعلّقنا ذكراك صوراً على نبض قلوبنا. صورتك؟! متعبٌ ضجيجُ الصمت الصارخ في برّيّة الشهداء.


اِمتشق يراعك. سيّل حبرك. فجّر غضبك. أحْيِ كلمتك. الخلاص شاقّ. لكنّه غير عاقّ. بيروت تأبى أن تتعزّى. عريسها لمّا يرفع بعد. كانون يذيق الأحزان. وبعدها يعزف الأفراح بسبعة ألحان. أجبرانُ، فِئتَ من الموجود الى الوجود. في كانون الأوّل، ميلاد النور. وفي كانون الأوّل، على حساب الليل، يطول النهار. ف"النهار" دوماً غالبة، دوماً لاهبة. سطورها صدى قسمك، كلماتها فيض جرأتك، أوراقها خَبَب اندفاعك، وحبرها قدس دمائك ...


"نهارنا" لا تغيب عنها شمسها ... "نهارنا" لا يغيب عنها "جبرانها" ... قسماً بالعشرة ...