من المستفيد المباشر من اسقاط "السوخوي"؟

رانا أبي جمعة- إعلامية

كان لا بد من انتظار الثلاثين من تشرين الثاني الفائت لمعرفة ما سيتمخض عنه هذا اليوم الطويل من لقاءات وبالتالي تصريحات ومواقف يمكن أن تسهم في ايضاح المشهد الاقليمي الضبابي بعد حادثة اسقاط طائرة السوخوي الروسية من قبل مقاتلات تركية وما تبعه من ارتدادات طالت العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين المذكورين فضلا عمّا شهده الميدان السوري من مستجدات على خلفيتها.


في باريس لقاء على هامش قمة المناخ جمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما لم يدم أكثر من نصف ساعة، ايد بنتيجته الرئيسان الحلول السياسية في سوريا وضرورة إحراز تقدم في عملية فيينا، كلام مكرر قديم يوحي بالمرواحة السياسية فيما يتعلق بالأزمة السورية ولكن ما لم يُشر إليه الرجلان قاله المندوب الأميركي لدى حلف الناتو دوغلاس لوت ومفاده أن الظروف الحالية ليست مواتية لتشكيل تحالف جديد لمحاربة الإرهاب بمشاركة موسكو عازياً السبب إلى اختلاف أهداف واشنطن وموسكو في سوريا، فهدف الأخيرة بحسب لوت يتمثل في دعم النظام السوري في معركته ضد المعارضة وليس التصدي ل"داعش". وفي تصريح الرجل تأكيد على حدة التباين بين البلدين.


على المقلب الآخر، عُقدت قمة من نوع آخر بين تركيا وقادة الاتحاد الاوروبي وصفها رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو بالتاريخية، انتهت بالاتفاق على الحد من الهجرة غير الشرعية الى أوروبا مقابل مساعدات مالية وحوافز سياسية لأنقرة التي بدأت تتحضر مجدداً لاستكمال مفاوضات انضمامها الى الاتحاد. ولعل هذه المفاوضات هي بيت القصيد إضافة الى جزئية توازيها أهمية وهي الغياب الكلي لأي طرح لطالما أصرت تركيا على التمسك به في كل مناسبة وهو إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري.


لا شك أن أمام إنضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مسار طويل يبدأ بالتزام أنقرة ضبط الهجرة إلى الدول الاوروبية وكيفية صرف المليارات الثلاثة التي قدمت لها لمساعدتها على إعانة اللاجئين السوريين المتواجدين على أراضيها وقد لا ينتهي بضمان الالتزام بمعايير الاتحاد كاحترام حقوق الانسان وحرية الصحافة على سبيل المثال لا للحصر، ولكن بمجرد احياء هذه المفاوضات المذكورة يعني امكانية محاولة انقرة مجدداً ارضاء الاتحاد ومعاييره ولو بالحد الأدنى، مع عدم استبعاد محاولاتها المتكررة لاستخدام ورقة الأزمة السورية بكل تشعباتها خلال هذا المسار .


نعم رب قائل محق بأن حادثة إسقاط طائرة السوخوي أتت للقول للرئيس الروسي فلادميير بوتين بأنك لست اللاعب الملك في الاجواء السورية وزخم ديبلوماسيتك يُمكننا ايقافه بـ"طعنة ظهر" مِن مَن تعتبره "دولة صديقة"، ولكن يمكن الرد على هذا القائل أيضاً بأن تراجع الزخم الديبلوماسي الروسي الذي اسفرت عنه الحادثة قابله زخم عسكري روسي في سوريا إن كان في الجو أو البر أو حتى البحر، والنتيجة كانت أكثر من ضربة تضر بالتركي كلاعب أساسي منذ اندلاع الأزمة السورية ولا تزعج الاميركي. فهل في حادثة اسقاط تركيا للسوخوي الروسية تكرار لغمزة غلاسبي الاميركية علّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتواضع أيضاً ؟!


جملة أسئلة لا تزال تطرح رغم مرور الايام على الحادثة؟


كيف نفسر ما قامت به تركيا وهي الأدرى بأن الطائرات الروسية وإن اخترقت مجالها الجوي كما تقول، لن تستهدف أراضيها، فمهمات هذه الطائرات واضحة ومحددة؟


وكيف نفسر أيضاً تجرؤ تركيا على القيام بما قامت به وهي تدرك حجم المصالح التي تجمعها بروسيا أقله الاقتصادية منها ولعلها المتضرر الأكبر حتى الساعة؟


كما كيف يمكن تفسير مسارعتها الى طلب اجتماع طارىء من الحلف الأطلسي وهو المعني بالرد فوراً في حال تعرض احدى دوله لأي عدوان، في حين نرى الأخير يكتفي بالمساندة الكلامية لتركيا حول حقها بالدفاع عن نفسها فقط لا غير؟ وفي ذلك اعتراف غير مباشر بعدم حصول اي عدوان على دول الحلف وهنا نسأل من جديد إذا ما هو الهدف من استهداف الطائرة؟!


كما كيف يمكن التغاضي عن نسف روسيا على خلفية الحادثة الطموح التركي فيما يتعلق باقامة منطقة آمنة في الشمال السوري وتبخر طرح الحظر الجوي الذي أصبح بحكم الامر الواقع حظراً جوياً روسياً مع تكثيف الغارات الروسية على مناطق حدودية بين سوريا وتركيا واستهداف مناطق التركمان في ريف اللاذقية الشمالي اضافة الى دخول عناصر عسكرية جديدة على العملية العسكرية الروسية كمنظومة صواريخ أس 400 وتحميل طائرات السوخوي 34 صواريخ جو- جو إضافة الى مرابطة الطراد موسكفا قبالة شواطىء اللاذقية. وقد يكون من المفيد التذكير بأن الولايات المتحدة لم تؤيد يوماً إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا ولطالما كان هذا الطرح التركي موضع سجالٍ بين البلدين وصل الى حدود التحدي من قبل الرئيس أردوغان في الاعلان عن هذه المنطقة ضمن فترة زمنية معينة. وفي هذا السياق ايضاً نشير الى ما تردد منذ فترة ليست ببعيدة حول امكانية قبول الولايات المتحدة بها ولكن شريطة أن تبتعد عن مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب التابعة لهذا الحزب، الذي تعتبره تركيا بدورها امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها.


في الختام إذا ما أردنا محاولة فهم الحادثة ومسبباتها لا بد من السؤال حول المستفيد المباشر حتى هذه اللحظة من وقوعها. وليس هناك في الميدان إلا الولايات المتحدة الأميركية التي تتابع سياستها المعروفة وهي تطويق "داعش" بغارات تحالفها من دون القضاء عليه مع مواصلة دعم كرد سوريا وفي الوقت نفسه عدم الدخول في حرب استنزاف في تلك البقعة المشتعلة من العالم.