رأي - فتِّش عن الكرسي يا عزيزي

سناء الجاك

بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فعلت الكراسي البرلمانية فعلها، فاتحفتنا بالاتفاق الرباعي. بعد 7 أيار المجيد، جاء مؤتمر الدوحة ليقول لنا ان لا شيء غير الكرسي يقضي على التحالفات ويقوض الاتفاقات ويمحو ما كتب في السر والعلن، ويزوج "الاعدقاء" المصرين على خصومة تثمر شعبياً، ومساكنة تثمر سياسياً. ما بعد ذلك يؤكد ان الضربة التي لا تميت، تجعل القدرة على قلب الموازين او الاقتناعات مبررة تحت شعار: "فتش عن الكرسي". اما الضربة التي تميت فلها عدة من ايام لاستيعاب ردود الفعل واغراق السوق الاعلامية بالاستنكار والشجب في انتظار قلب الصفحة او ضربة أخرى تُنسينا ما سبقها.
في المعمعة المستمرة لهذا البلد التعيس، تبقى كلمات خاوية مثل الوطنية والمصلحة العامة وحقوق هذا الشعب ومحاربة الفساد، أشبه بستارة تغلق او تفتح عندما يحتاج مسرح الصفقات من أجل الكرسي ذلك. كل طبل وزمر يرافق العروض الممهدة للافتتاح الكبير يكشف عن وجه من اوجه عمليات التجميل او التشويه القائمة لخدمة رافضي الافتتاح او المتحمسين له.
واتفرج يا سلام على الاستعراضات البهلوانية للقوى السياسية التي تأسر لبنان وناسه لخدمة مصالحها الخاصة. ابيض يتحول اسود بشحطة قلم. اسود يشع بالنور ويلعن الظلام بكبسة زر. من هنا، ربما يمكن القول ان السبب الأهم في قدرة "حزب الله" على التحكم بلبنان ورهنه لحساب محور النفوذ الايراني الفخور بوصوله الى شواطئ البحر الابيض المتوسط، لا يقتصر على فائض السلاح او التلاعب بالغرائز المذهبية، وإن شكّل هذان العاملان حيزاً لا يستهان به. الحزب ليس بمنأى من الوله بالكرسي والمحاصصات وتقاسم النفوذ، لأهمية هذا النفوذ في تنفيذ المخططات، ولأن من يذوق طعم السلطة يصبح كل مذاق سواها مرا كالعلقم في حلقه، وإن برع أكثر من غيره في تلقي الصفعات والصدمات واستعادة الامساك بزمام القرار وفرض الشروط التي تحوّل الرابح خاسراً، وإن تشاطر أكثر من غيره في ادعاء العفة السياسية والارتقاء الى الشهادة التي تضمن حقوق إيران في المنطقة، لا أكثر ولا أقل.
الخوف الدائم لدى الجميع من خسارة كرسي ما، في منصب ما، يجعل اللعبة السياسية مبتذلة الى حد فظيع، ويكرس معادلة عدم استثناء اي طرف من الغرضية التي تتحكم بمواقفه وهو ينادي بحماية من يمثله او بالغيرة على البلد.
مرحبا بالحمية لصون حقوق المسيحيين الرافضين ان يتحكم سنّة وشيعة في تحديد الرئيس، لأن السبب الوحيد لهذه الحمية هي ان المسيحي الذي يريد الافادة من اجماع سنّي وشيعي عليه لم يتم سحب اسمه بالقرعة، ولا يهم إن كان انتماء الاسم المسحوب صافياً او ملوثاً بتحالف من هنا او ورقة تفاهم من هناك. كذلك لا تهم كل الحملات لتظهير قرار على انه إنجاز وإعجاز، مع تجاهل الألغام التي يقف عليها من جرّب المجرب ونسي السوابق المخيبة، مع ان الحساب بسيط وبديهي. البديهي أكثر، ان هذا الانجاز لن يصب الا في مصلحة "حزب الله" ومحوره المتشظي والغارق في الدم السوري، ويمنحه انتصاراً يخفف من خسائره المرتقبة في ظل التسويات المقبلة، ويفتح له باب المناورات لفرض شروطه واستيفاء اثمان باهظة للسماح بوصول مرشح ملتزم به قلباً وقالباً وارغام خصمه على مزيد من التنازل والدفع بعملة معنوية ومادية صعبة ليقبل بما يريد هو في الأصل.
قاعدة "عدوّ عدوّي" تكشف المستور، وتجعل امكان تنفيذ اي صيغة داخلية برضى دولي واقليمي محتملة، ما دام التحالف لا يعني موقفاً موحداً بين الحلفاء، وما دامت الخصومة لا تعني الامتناع عن ضرب الحلفاء لمصلحة الصفقة التي تلبس لبوس التسوية.
مهزلة هذه التسوية ان لا سواء فيها بين الاطراف المتعثرين في كل خطواتهم، والمتنافرين رغم كل اوراق التفاهم والتعاون وشعارات الصف الواحد، والمؤتلفين رغم الخصومات والانقسام العمودي الحاد الذي تسببت به.
لا لزوم للحيرة او الاستغراب. المسألة بسيطة: فتِّش عن الكرسي، يا عزيزي.