الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

إدارة التوحّش مع إدارة أوباما

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
إدارة التوحّش مع إدارة أوباما
إدارة التوحّش مع إدارة أوباما
A+ A-

"الجهاد ما هو إلّا شدّة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان". هذا التعريف "الجديد" للجهاد ورد في كتاب أبي بكر ناجي(اسم حركي) الذي جاء بعنوان: "إدارة التوحّش: أخطر مرحلة ستمرّ بها الأمّة" (ص.83).


أبو بكر ناجي ضخّ جميع صفات الحقد والكراهية في 300 صفحة تقريباً منشئاً استراتيجيّة جديدة لنشر الإرهاب وتعميمه قبل الوصول الى دولته الاسلاميّة.


ويسهب أبو بكر في تناقضاته غير العقلانيّة فيقول في الصفحة 255 :"قد يتعجب البعض عندما نقول ان عبادة (ربّما يقصد "عبارة") الجهاد على الرغم ممّا يحف طريقها من الدماء والأشلاء والجماجم، وما تشمله شعائرها من قتل وقتال، هي من أكثر الشرائع رحمة بالعباد ..."


طبعاً، إنّ عالم اليوم غير معنيّ بمدى تناسق أفكار دعاة الارهاب وتوافقها مع السنن الطبيعيّة والأخلاقيّة والدينيّة، بقدر ما يعنى أكثر بحماية المدنيّين أينما وجدوا من عمليّات التفجير والاحتجاز والقتل ونشر الفوضى.


لذلك، يُعدّ ما جرى في الأيّام الأخيرة، في فرنسا ولبنان ومصر آتياً في سياق الاستراتيجيّات المتنوّعة التي روّج لها الكتاب في ضرب المناطق الآهلة حول العالم.


النكاية والإنهاك والتفجيرات الحالية


يقسّم الكاتب مراحل المجموعة الرئيسيّة الى مرحلة شوكة النكاية والانهاك للوصول الى التوحّش، فمرحلة إدارة التوحّش، ثمّ مرحلة التمكين وصولاً الى قيام الدولة. ويرشّح الكاتب دولاً لاستهدافها كمجموعة رئيسيّة وأخرى كمجموعة غير رئيسيّة علماً أنّ التقسيم هذا غير جامد، إنّما يخضع لاحكام الظروف والدراسات.


والتفجيرات الحاليّة قد تقع في سياق مرحلة شوكة النكاية والانهاك التي تستهدف انهاك "قوّات العدو والانظمة العميلة لها والعمل على جعلها لا تستطيع أن تلتقط أنفاسها"، حتّى ولو كانت تلك العمليّات صغيرة الحجم مثل "... ضربة عصا على رأس صليبي- إلّا أنّ انتشارها وتصاعديّتها سيكون لهما تأثير على المدى الطويل".


كما تهدف المرحلة الى "جذب شباب جدد للعمل الجهادي عن طريق القيام كل فترة زمنية مناسبة بعمليّات نوعيّة تلفت أنظار الناس". بالإضافة الى "إخراج المناطق المختارة ... من سيطرة الأنظمة ومن ثمّ العمل على إدارة التوحش الذي سيحدث فيها" الى أن يتمّ "الارتقاء بمجموعات النكاية، بالتدريب، لتكون مهيّأة نفسيّاً وعمليّاً لمرحلة إدارة التوحّش (ص. 47-49).


ويعمد الكاتب الى التركيز على قواعد معينة لمعدّل العمليات فتكون إمّا تصاعديّة او بمعدل ثابت أو في صورة أمواج (كما حصل مؤخّراً) لأن في ذلك رسالة للعدو "أنّ أمواج الرعب ... لن تنتهي وليس معنى توقف العمليّات فترة استقرار ... انما كل ما في الامر أنّنا نعدّ لموجة أخرى من العمليات التي ستملأ قلوبهم رعباً ..."(ص 78)


ولا ينسى ناجي التطرق الى موضوع إفلات الأمور من عقالها نتيجة لشوكة النكاية وتراجع القوى الامنيّة المحلية عن بعض المناطق وعدم قدرة قوّاته على السيطرة على أماكن التوحش فيكتب: "هذا التوحش وعدم الأمان بسبب بعض العصابات أفضل شرعاً وواقعاً من سيطرة السلطات على الاوضاع ... وإجبار الناس على قبول الكفر والتحكم للقوانين الوضعيّة والخضوع للطواغيت". (ص 118)


الردّ الأميركيّ ... ؟


ترجم الكتاب الى لغات عدّة حول العالم، واهتمّ به باحثون وأمنيّون، غربيّون وأميركيّون، من أجل التعرّف الى الافكار والخطط الجديدة التي يعمل عليها الارهابيون. لكن من الواضح أنّ هناك مشكلة ما.


فعلى الرغم من صياغة الارهابيّين لرؤية إجراميّة واضحة ونشرها في مقالات وكتب، إلّا أنّ الغرب، ما زال متلكّئاً في إيجاد استراتيجيّة مضادّة. فالرئيس الأميركي #باراك_أوباما ما برح مكتفياً بالطلعات الجوية والقصف من هنا وهناك. ومن موقعه كرئيس أقوى دولة في العالم، طُلب منه الكثير فما أتى إلّا بالقليل.


بريت ستيفنز كتب الشهر الماضي مقالاً في صحيفة "الوول ستريت جورنال" ينتقد فيه سياسة أوباما تجاه الاحداث في سوريا التي أدّت الى ولادة نظيم"الدولة_الاسلاميّة". فالرئيس الاميركي بالنسبة اليه، لا يصغي الى المستشارين الأمنيّين والعسكريّين الذين حوله، ولا يقوم إلّا "بتشويه سمعة" من يقدّمون إليه نصائح في تلك المسألة. "إذا أراد الجمهوريّون موقفاً أقوى في سوريا فهم مثيرو حروب، وإذا أرادت هيلاري كلينتون منطقة حظر جوّي، فلديها مصالح خاصّة". ويشدّد ستيفنز على أنّ منطقة الحظر الجوّي هي التي منعت الرئيس العراقي السابق صدّام حسين من إبادة الاكراد وساهمت في خلق منطقة كردستان التي كانت الانجاز الأهم للأميركيّين خلال 25 سنة في الشرق الاوسط على حدّ تعبيره.


نصيحة تشرشل


ويستشهد بكلام لرئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل يقول فيه أنّه إذا كان على الولايات المتحدة أن تقود العالم فعليها أن تنخرط في مشاكله. وانتقد ستيفنز الرؤية التي تقول أنّ أفضل سياسة في #سوريا هي البقاء بعيداً عنها وجلب المقاتلين من كلّ الأطراف ليقوموا بإفناء بعضهم البعض. "الدرس السوري هو أنّ الفوضى لا تنهي القوى الجهاديّة بل تعبّئها بقوّة فائقة".


منذ سنة تقريباً قال أوباما عبارته الشهيرة في ما خصّ "داعش" :"لا نملك استراتيجيّة بعد". لكن منذ يومين كان متأكّداً من "أنّنا نملك الاستراتيجيّة الصحيحة". وإذ يبدو أنّ تلك الأخيرة "نبتت" خلال سنة، إلّا أنّ أوباما ما زال يعاني الكثير كلّما وجّه اليه سؤال عن آفاق الحرب ضد "داعش".


بعد الاعتداءات الاخيرة ضد باريس، قالت صحيفة "النيويورك تايمس" الأميركيّة أنّ الرؤساء في أوقات الأزمات، يحاولون إرضاء الشعب بعبارات تشير الى الحلّ والحزم. لكنّ أوباما لم يجد هذا التوجّه وذهب الى "التفسير عوضاً عن الحضّ".


أوباما يتفوّق على المحللين؟


وبعد إصراره في مؤتمره الصحافي أمس الاثنين في #أنطاليا على عدم إرسال قوّات عسكريّة الى الارض لمحاربة التنظيم، علت الانتقادات الجمهوريّة لتلك السياسة. فقال رينس بريبيوس رئيس اللجنة القوميّة في الحزب الجمهوري:"لم أرَ قطّ مشروعاً رئاسيّاً أميركيّاً بهذا الضعف على المسرح العالمي". وعلى رغم أنّ باحثين عالميّين عدّة أشاروا الى كون الهجمات الباريسيّة معقّدة، إلّا أنّ أوباما رفض ذلك وقال أنّ ما حصل عبارة عن "بضعة أشخاص لا يمانعون الموت وقتل العديد من المدنيّين".


لكنّه لم يستفض أكثر في شرح كيف يمكن لمجرّد "بضعة أشخاص لا يمانعون الموت" أن ينسّقوا "عدم ممانعة الموت" هذا، في أنحاء عدّة من باريس، وفي وقت واحد، بطريقة تسقط العدد الأكبر من الضحايا.


"مامبو جامبو"


ربّما تكون إدارة أوباما واحدة من أكثر الإدارات التي شهدت استقالات في دوائرها الأمنيّة والسياسيّة بسبب التوجّهات الخارجيّة العامّة. إيفلين فاركاس، جون ألن، جون ماكهوغ، آشتون كارتر ... أسماء كبيرة قدّمت استقالاتها بدون أن توضح الأسباب المباشرة، لأنّها ربّما غير محتاجة للتوضيح. والى جانب عزل أوباما لبعض المسؤولين في الفترة الاخيرة، ممّن يختلفون معه في سياساته الخارجيّة، عمد الرئيس الأميركي الى وصف الانتقادات التي توجّه اليه والخطط التي تقدّم له لانخراط حاسم في سوريا بأنّها أفكار "نصف ناضجة" أو أفكار هدفها إثارة التشويش والالتباس أو "مامبو جامبو".


مارك ثيسن استذكر في صحيفة "الواشنطن بوست" كيف اعتبر أوباما في أيلول 2012 أنّ "القاعدة" في طريقها الى الهزيمة، قبل قتل مجموعة مرتبطة بها السفيرَ الاميركي في ليبيا، بعد خمسة أيّام فقط على تصريحه الرئاسي. واستذكر أيضاً كلامه في كانون الثاني 2014 عن أنّ "داعش" لا يشكّل خطراً على الأميركيّين قبل أن يقوم التنظيم باحتلال العراق فقط بعد شهرين، ويبدأ بقطع رؤوس الرهائن ومن بينهم أميركيّون. ثمّ أخيراً، قام أوباما الخميس الماضي بأنّ قوّاته "احتوت" داعش قبل أن يشنّ الأخير، في اليوم الثاني مباشرة، هجماته ضد العاصمة الفرنسيّة.


ويسأل ثيسن:"كم مرّة على هذا المشهد الحزين أن يكرّر نفسه؟" في حين أنّ ستيفنز، في سياق مشابه، كان "أجاب" ولو بطريقة غير مباشرة في "الوول ستريت جورنال" عبر الكتابة:"ما زال لدينا 16 شهراً يستمرّ فيها الوضع على هذه الحال". (موعد استلام الرئيس الأميركي الجديد لمقاليد الحكم).


لن يقتنع الرئيس الأميركي بتبديل وجهة نظره حيال الأزمة في سوريا، وأساساً لن تسمح المدّة المتبقّية من ولايته بذلك. وقف في وجه كبار المستشارين والأمنيّين والديبلوماسيّين حتى ضمن حزبه كي يبقى على قناعاته التي تسبّبت في تفاقم أزمات كثيرة، ليست آخرها بلوغ مساحة الاراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلاميّة ما يقارب مساحة دولة كسويسرا، حتى بعد خسارة التنظيم لربع تلك الاراضي بفضل غارات التحالف الدولي والمقاتلين المحلّيّين على الارض.


الضربات الجوّيّة ضدّ الارهابيّين مطلوبة، وهي أثبتت فاعليّتها في أماكن كثيرة. لكنّ الاكتفاء بها لا يمكن أن يشكّل الطموح الأقصى لأيّ رئيسِ دولةٍ قويّة فكم بالحريّ لرئيس الدولة الأقوى.


انطلاقاً ممّا سبق، استطاع الارهابيّون صناعة استراتيجيّة للإرهاب ونشرها وتمويلها والعمل بمقتضاها، ولم تستطع إدارة أوباما الردّ باستراتيجيّة متكاملة مضادّة. ما قاله مؤخّراً الرئيس الأميركي عن "احتواء" "داعش" يصحّ فيه ما كتبه ثيسن:


"إذا كان هذا يسمّى احتواءً، فلا أريد أن أعرف معنى كلمة "تمدّد".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم