"غونكور" 2015 لـ "البوصلة" نص الإفتتان ببلدان الشمس الدافئة

رلى راشد

مُنحت جائزة "غونكور" 2015 الفرنسية الأدبيّة للكاتب الفرنسي ماتياس إينار عن روايته "البوصلة" الصادرة لدى "أكت سود" والتي تحيي هذا الإنجذاب العتيق صوب بلدان الشمس الدافئة، متقدمةً على ثلاث روايات أخرى كانت وصلت إلى النهائيات ولفّ البعض منها شذا الشرق أيضا.
حين حاورتُ الروائي الفرنسي ماتياس إينار قبل سنوات عدة، خلال زيارته بيروت التي يعرفها من كثب، سألتُه عن نص- سيرة كان كتبه مستعيدا حيثيات ولادته وحيث نقرأ: "رأيتُ النور في 1972، في نيور، في تلك الهضبة المكتئبة حيث مرّ في محيط تشرين الأول من عام 732، محاربون من العرب والبربر. وفدوا إليها من الأندلس، في طريقهم الى مجابهة قدرهم وعسكر شارل مارتيل، في مطرح أشد نأيا، في اتجاه الشمال. ربما كان ينبغي لنا الرجوع الى هذا الحادث البعيد طمعا في اقتفاء أثر شغفي بالمعارك والعالم المتوسطي". وحين استفهمته عن بطاقة التعريف هذه، أحجم عن أخذها على محمل الجدّ وعدّها مجرد دعابة. بيد أنه غفل ربما، عن كون هذا التوصيف يحمل نكهة واقعيّة سحرية. افتتن إينار، من حيث لا يدري ربما، بهذا المقلب من العالم وباللغات الشرقية، فتعلّم الفارسية والعربية، وأنهى شهادة دكتوراه في قسم العالم الإيراني، في كنف "المركز الوطني للبحث العلمي". توّج الجيئة والإياب الذهنيين صوب الشرق بإقامات مديدة في إيران وسوريا ولبنان ومصر، الى أن وصل الى مدينة تطفو على تخوم حضارتين، الى برشلونة غاودي، حيث صار أستاذا للغة العربية.



غير ان إيمانه الأكبر لم يكن بالترحال المادي وإنما بالتجوال في خضم قصص الآخرين، باللقاءات وبالإنصات. والحال ان هذا ما تُبيّنه على نحو جليّ روايته الظافرة للتو بجائزة "غونكور" التي تنقّب في الإفتتان المديد بالشرق من طريق حكاية حبّ غير مكتملة مع سيدة بإسم سارة. نحن بداية في فيينا حاضنة الثقافة الأوروبية، في شقة فرانز ريتير الشغوف بالموسيقى وبالشرق الذي عرف للتو باصابته بمرض فتاك، وها نحن في اللحظة التالية في مطارح أخرى قريبة وبعيدة على السواء. حين يغادره النعاس تأتيه الذكريات ويستعيد اللقاءات والمدن، فنمرّ باسطنبول وحلب ودمشق وتدمر وطهران وسواها.
هذه الحكاية الباينة ذريعة ملائمة لقراءة إينار تماما مثلما هي اللغة المُستخدمة واللافتة في إيقاعها وفي وثرها، كأن نقرأ في استهلال الرواية نسقاً من هذا المناخ: "نحن مُدخّنا أفيون كل واحد في وسط غمامته. لا نرى شيئا في الخارج. ندخّن وحيدين من دون أن يفهم أحدنا الآخر البتة. نُدخّن كوجهين يعانيان في مرآة. نحن صورة جامدة يمنحُها الزمن وهم الحركة".
إستبقت لجنة تحكيم جائزة "غونكور" 2015 رواية مُكرّسة على نحو كامل لاسترجاع الحركة البديهية من التلاقح بين نواحي العالم الجغرافي. ها هنا نصّ يُعلي سقف التمرين التأليفي ويستنبط ما تدين به القارة القديمة أوروبا، للشرق. ها هنا رواية ربما تشكّل الإعلان الأفصح في الأعوام اليسيرة الماضية عن حبّ غربيّ أكيد إزاء شرقنا الذي باتت تلفّه اللعنات من كل حدب وصوب.


 


 


roula.rached@annahar.com.lb


Twitter: @Roula_Rached77