النفط يطيح تصنيف "المملكة"

موريس متى

في خطوة كانت متوقعة الى حد كبير في الاسابيع الماضية، وفي أحدث إنذار حول المتاعب التي تواجه منطقة الشرق الأوسط التي تعتمد على النفط، خفضت وكالة #ستاندرد_أند_بورز" التصنيف الائتماني للسعودية درجة واحدة إلى A+ بعد أن ارتفع العجز في موازنة #المملكة بسبب الهبوط الحاد في أسعار النفط عالميا. وقد إرتكز قرار وكالة التصنيف الائتماني على التحديات التي تواجه المملكة في وقف الارتفاع في عجز #الموازنة المالية الذي يتوقع ان يصل الى نحو 16 في المئة من الناتج القومي الإجمالي هذه السنة مقارنة بـ 1.5 في المئة عام 2014، وفائض قرب 7% في العام 2013. وأشارت الوكالة الى ان الهبوط الكبير في أسعار النفط على مدى الأشهر الـ18 الماضية تسبب في ايجاد "تأرجح سلبي واضح" في الصورة المالية في المملكة العربية السعودية.
ولم تستبعد الوكالة تخفيضا إضافيا للتصنيف الائتماني للسعودية في العامين المقبلين، إذا عجزت المملكة عن تخفيض العجز في الموازنة بشكل كبير وقابل للاستمرار، كما اقترحت لتخفيض #العجز تقليل الاستثمارات وإلغاء دعم أسعار الطاقة والماء والوقود. وكانت الوكالة قد حذرت في شباط الماضي من وجود مؤشرات على تزعزع وضع السعودية الائتماني بسبب اعتمادها الرئيسي على عائدات النفط. والمشكلة هي اعتماد السعودية بشكل كبير على النفط، الذي تستمد منه 80% من إيراداتها، كما أشارS&P الى خطط الانفاق "غير المرنة" التي تعتمدها المملكة باعتبارها واحدة من نقاط ضعف الدولة من الناحية المالية. وتبقى نظرة S&P للدولة التي تقود منظمة الدول المصدرة للنفط  #أوبيك" سلبية، (أكبر إقتصاد في المنطقة، وأكبر منتج للنفط في "أوبيك" حيث تضخ حاليا 10.3 ملايين برميل يوميا)، مما يترك خيار الوكالة بخفض #التصنيف_الائتماني أكثر من ذلك مطروحا على الطاولة إذا فشلت الحكومة في كبح جماح العجز أو انخفاض السيولة.
وبدوره، كان توقع #صندوق_النقد_الدولي قيام السعودية بإنفاق جميع احتياطاتها المالية خلال السنوات الـ 5 المقبلة مع إستمرار أسعار #النفط قرب أدنى مستوياتها منذ سنوات. وتشير أرقام الصندوق الى ان عجز الميزانية لدى أكبر اقتصاد في المنطقة من المتوقع أن يبلغ في السنة الجارية ما يقارب 107.7 مليارات دولار، اي 21.6% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، و19.4% في السنة المقبلة. ويعود ذلك أساساً إلى انخفاض بنسبة 39% من عائدات النفط إلى 171.8 مليار دولار، من 285 مليارا العام الماضي، في حين لا يزال الإنفاق مرتفعا. وكان #صندوق_النقد_الدولي الشهر الماضي، قد قدر أن سعر النفط المطلوب لتحقيق التوازن في الموازنة السعودية يجب أن يكون أكثر من 100 دولار للبرميل. علماً بأن المملكة سجلت آخر عجز عام 2009، عندما هبطت أسعار النفط العالمية نتيجة إندلاع الازمة المالية.
مواجهة الازمة
أمام هذا الواقع، أصبحت المملكة وبالتأكيد مرغمة على إجراء تعديلات مالية كبيرة كبيرة وهيكلية قد تستمر سنوات، بالاضافة الى البحث عن موارد مالية جديدة قد تتمثل بتقليص النفقات في ميزانيتها، في الوقت الذي توقعت فيه وكالة "ستاندرد أند بورز" التصنيف الائتماني أن تقوم السعودية بسحب المزيد من الموال من مخزونها من النقد وإصدار المزيد من الديون، وكانت الدولة قد باعت بالفعل سندات خلال فصل الصيف لرفع مبلغ 4 مليارات دولار على الأقل، والتي كانت المرة الاولى التي لجأت فيها المملكة إلى سوق السندات في ثماني سنوات. وتشير الارقام الرسمية الى ان المملكة قامت بسحب ما يقارب 70 مليار دولار خلال الأشهر الـ 6 الأخيرة من استثماراتها حول العالم وتحديدا من شركات إدارة الأصول مثل "بلاك روك" بهدف سدّ جزء من العجز في ميزانيتها. كما أُجبرت على سحب ما يقارب 73 مليار دولار من احتياطاتها المالية منذ حزيران الفائت لسد جزء من عجزها، ما أدى الى تراجع إحتياطات الصندوق السيادي للمملكة إلى 654.5 مليار دولار، بعدما سجل أعلى مستوياته على الاطلاق في آب 2014، عندما بلغ 737 ملياراً. من جانبها تتوقع مؤسسة "ستاندرد آند بورز" بناء على فرضية تنفيذ إصلاحات للإنفاق والدعم أن تنخفض الأصول الصافية للحكومة إلى 79% من الناتج المحلي الإجمالي في حلول 2018.


إجراءات مطلوبة
سلسلة إجراءات بدأت تبحث السعودية بإتخاذها لمواجهة الازمة التي تمر فيها. وتشمل التغييرات المحتملة تأجيل بعض مشاريع الإنفاق وإصلاح الإعانات السخية على الكهرباء والمياه والوقود، بالاضافة الى درس خفض الدعم الحكومي على الغاز. وفي هذا السياق، كشف وزير المال السعودي إبرهيم العساف الشهر الماضي، ان الرياض بدأت خفض النفقات غير الضرورية مع الاستمرار في التركيز على مشروعات التنمية الأساسية. وقد تشمل الاصلاحات تعديل فاتورة الدعم المكلف الذي يبقي على أسعار الطاقة عند مستويات متدنية، بالاضافة الى دعم إيرادات القطاع غير النفطي عبر فرض ضريبة القيمة المضافة، كما يمكن للحكومة السعودية توفير الأموال عن طريق تحسين كفاية المشاريع الاستثمارية والسيطرة على الإنفاق الحالي عبر ترشيد فاتورة رواتب القطاع العام. كذلك يُنتظر ان تفرض الحكومة ضريبة على الأراضي غير المطوّرة لمجلس الشورى، بالاضافة الى تأسيس هيئة جديدة تتولى تحسين كفايات المؤسسات الحكومية.
الرد السعودي
بدورها إعتبرت وزارة المال السعودية إن قرار "ستاندرد آند بورز" عبارة عن ردة فعل متسرعة وغير مبررة ولا تستند إلى وقائع. وصرحت الوزارة في بيان: "الوكالة استندت في تقييمها إلى عوامل حالية وغير مستدامة إذ لم يكن هناك تغير سلبي في العوامل الأساسية التي عادة تستوجب تغير التقييم". وأضاف البيان انه بالنظر إلى أسس الاقتصاد السعودي، فهي لا تزال قوية ومدعومة بأصول صافية تزيد عن 100% من الناتج المحلي الإجمالي واحتياطي كبير من النقد الأجنبي. وأكدت الوزارة أن اقتصاد المملكة واصل نموه الحقيقي بمعدل يتجاوز الاقتصادات المماثلة على الرغم من انخفاض أسعار السلع الأساسية يضاف إلى ذلك ما تم اتخاذه من إجراءات لضبط أوضاع المالية العامة ولضمان أن تظل الأصول الداعمة للمحافظة على المالية العامة في وضع قوي.
المملكة صامدة
"المملكة صامدة وأمتها عابرة، ونسب نموها مستقرة للسنوات المقبلة"، بهذه العبارات يؤكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن بإمكان السعودية مواجهة عجز #الموازنة هذه السنة رغم انخفاض أسعار النفط، في وقت تؤكد فيها توقعات صندوق النقد الدولي ان يسجل #اقتصاد المملكة نموا يتراوح بين 2.4% و 2.8% في 2015، بدعم اساسي من الاحتياطات الوفيرة التي ما زالت تتمتع بها ودينها العام المنخفض، ما يساهم في تمتين الوضع المالي للبلاد.


 maurice.matta@annahar.com.lb


Twitter: @mauricematta