تركيا : الانتخابات جسر من ازمة الى ازمة

امين قمورية

مثل اقتحام الشرطة التركية لمحطات التلفزيون المعارضة صدمة للاتراك الذين بدأوا يتحسّبون للاسوأ، مع خشية الرئيس الطموح رجب طيب #اردوغان من خسارة جديدة من شأنها ان تسحق الى الابد تطلعاته الى بسط سلطته الكاملة على البلاد.


ويبدو أن المؤسسات الرسمية التابعة لسلطة الرئيس بدأت تفقد أعصابها قبيل إجراء الانتخابات الاشتراعية المبكرة، فسواء تعلّق الأمر بحزب العمال الكردستاني والاكراد عموما أو الصحافة التي تنهج خطا تحريريا منتقدا للسياسة الرسمية، فإن الحكومة اختارت ضرب كل المعارضين، ايا كانت انتماءاتهم. ولعلها بذلك تعبّر ضمنا عن حالة الهلع التي يعيشها الحزب الحاكم في تركيا، وعن إدراكه أن وقت الرحيل قد حان بعد 13 عاما أمضاها في السلطة.


تأتي هذه الانتخابات بعد انقضاء خمسة أشهر على آخر انتخابات نيابية أُجريت في السابع من حزيران الماضي، حين مني حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ 13 عاما، والذي يرأسه شكليا أحمد داود أوغلو، ويقوده فعليا أردوغان، بهزيمة نكراء، بحصوله على 40,6 في المئة من الأصوات وتراجعه بـ10 نقاط، مقارنة بالنتيجة التي حقّقها في 2011، ما جعله يفشل في الحصول على الغالبية المطلقة، أي على نصف المقاعد زائدًا واحدًا، أو 276 مقعدا، حيث لم يحصل الحزب إلا على 258 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة 550 مقعدا.
واعتبرت هذه النتيجة خسارة شخصية لأردوغان، الذي أمل بأن يحرز حزبه الفوز الكاسح الضروري لفرض الحكم الرئاسي وامتلاك السلطة المطلقة في البلاد .
وهذا الاحد يذهب الحزب الحاكم الى انتخابات مبكرة لطالما شجع عليها، مدفوعا بهاجس استعادة الغالبية وعدم تقاسم السلطة مع اي حزب آخر، حتى يتمكن من تحقيق طموحات زعيمه وتصفية الحسابات مع الخصوم الذين ازداد عددهم في الداخل والخارج بفعل سياسة "صفر مشاكل" التي نظر لها داود اوغلو، واعتمدها اردوغان وتحولت مشاكل فعلية مع الداخل ومع دول الجوار.


على الارجح ان الترتيب العام للأحزاب الأربعة الكبرى في البلاد سيظل هو هو كما في الانتخابات السابقة، لكن اهمية هذه الانتخابات تكمن في نسب الاصوات التي سيسجّلها كل حزب. بعض الاستطلاعات التي أجريت اخيرًا تشير إلى تراجع حزب الحركة القومية إلى المرتبة الرابعة، في مقابل استطلاعات أخرى تشير إلى تراجع النسبة التي سيحصل عليها حزب الشعوب الديمقراطية الكردي. هناك انقسام واضح أيضا بين من يرى أن حزب العدالة سيحصل على الأصوات التي تخوّله تأليف الحكومة منفردا، وبين من يرى أنه سيفشل في ذلك مع إشارة البعض إلى أنه سيخسر بفارق بسيط أي بفارق مقعدين أو ثلاثة مقاعد فقط.
وهنا فالأسئلة هي هي تتكرر، هل يستطيع حزب الاكراد خرق حاجز الـ 10 في المئة المطلوبة لدخول قبة البرلمان؟ إذا نجح يكون قد حرم حزب العدالة من تحقيق حلمه، واذا فشل يقدم لأردوغان هدية عمره في حال جُيِّرت اصواته لمصلحة الحزب الاكبر، كذلك من المهم جدا معرفة النسبة التي يحصل عليها حزب الاكراد لان لكل واحد في المئة اضافية على العشرة في المئة يمكن ان تكون عصا جديدة في دولاب حزب العدالة الذي يحتاج الى كل صوت اضافي لتخطّي عتبة النصف زائد واحد.


وفي حال فشل حزب اردوغان فهو لن يشكل الحكومة منفردا، وستدخل تركيا من جديد في دوامة الحكومة الائتلافية والاضطراب السياسي، لا بل اكثر من ذلك سيطاول التعقيد الوضع الأمني والوضع الاجتماعي في البلاد. وستتعمق حالة عدم اليقين إزاء مستقبل البلاد، ما من شأنه أن يلقي بظلاله على الوضع الاقتصادي ويزيد من تخوّف المستثمرين ويضعف سعر الليرة ويرفع من حجم التضخم ويقلص من نسبة النمو المتوقعة.


هذه المرة ايضا ليس سهلا القبول بحكومة أقلية او إجراء انتخابات مبكرة جديدة لأن إعادة الانتخابات للمرة الثالثة في اقل من نصف سنة سيفقد الاتراك الثقة في فعالية الانتخابات، وفي مدى إسهام صوت الناخب في الدفع باتجاه النتيجة التي يريدها، وهذا من شأنه ايضا أن يضعضع الآلية التي تهدف إلى تقوية شرعية النظام السياسي. وعليه، فإن الخيار الأرجح في هذه الحالة هو الذهاب إلى حكومة ائتلافية. لكن في التجربة الأخيرة، تمسّك كل من حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري بسقف عال من المطالب اكبر بكثير من حجمهما التمثيلي، مقابل الموافقة على الائتلاف مع حزب العدالة والتنمية الذي وجد نفسه غير مضطر لتقديم تنازلات قاسية لتأليف حكومة كهذه.


وفي حال فوز حزب العدالة بالغالبية، تعتبر صحيفة "حرييت" ان هذا السيناريو هو الاحتمال الاسوأ للانتخابات التركية المقبلة لأنه سيقود أردوغان إلى استخدام صلاحيات تنفيذية واسعة من دون أن يكلّف نفسه عناء تغير الدستور. اما الاسوأ منه هو ان يجد الاكراد أنفسهم خارج البرلمان بالكامل.
من هنا تكمن اهمية هذه الانتخابات ووصفها بـ"المفصلية" في التاريخ التركي، لأن كل شيء في البلاد في انتظار نتائجها، بدءًا من الديموقراطية المقيدة بألف قيد وبالإصلاحات السياسية، وخطط التنمية المطروحة، والإرهاب الذي صار على الابواب، وانتهاءً بالوضع الاقليمي حيث صار لانقرة اصابع على النار والزناد في اكثر قضاياه سخونة من سوريا الى العراق الى اليمن الى ليبيا.