هل ما زالت التربة والمزروعات آمنة بعد أزمة النفايات؟

ف.ع.

يوم الأحد الماضي، شاركت أكياس النفايات اللبنانيين معاناتهم السنويّة. خلال الشتوة الأولى لم يسبح المواطنون وحيدين في سيول الأمطار، فقد تضامنت معهم النفايات وساحت في الشوارع والأحياء وعلى الطرقات الرئيسيّة. قد يبدو المشهد مضحكاً لبرهة، قبل معرفة كمّ الجراثيم التي اختلطت بالمياه ووصلت إلى الأنهر والمجاري وصولاً إلى البحر، واكتشاف تداعياتها على المياه الجوفيّة ودورة الحياة وتالياً على الإنسان والحيوان والنبات.


فهل أصبحنا قاب قوسين من أزمة صحيّة وبيئيّة تستعر مهدّدة حياة وسلامة اللبنانيين؟ وما حجم الضرر الناجم عن النفايات المخمّرة منذ أربعة أشهر في الشوارع على التربة والمزروعات؟


المياه الجوفيّة تقاوم!
"عدم وجود مطامر في الجبال على عمق 200 – 300 متر، حتى اليوم، يمنع تلوّث التربة بجراثيم النفايات" وفق ما يقول رئيس تجمّع مزارعي البقاع ابرهيم ترشيشي لـ"النهار"، ويضيف: "نفايات الساحل المترامية في الشوارع، تنتج روائح كريهة وجراثيم متنقلة من خلال الحشرات والقوارض، وينحصر أثرها في المناطق المتواجدة فيها ولا تصل إلى المزروعات. لكن ذلك لا يعني أن الحشرات لم تصل إلى كثير من الأشجار المثمرة الساحليّة. لكن عموماً لا تأثير كبيرًا للأزمة على الزراعة، بل يتركّز أثرها على البشر والهواء والمياه".


فأين تكمن الخطورة إذاً؟ يقول مدير عام مصلحة الأبحاث الزراعيّة المهندس ميشال افرام لـ"النهار" إن "النفايات منتشرة في مناطق سكنيّة لا زراعيّة، ويُفترض تواجدها في مياه الريّ حتى تنتقل إلى المزروعات، وهذا الأمر لا يحصل راهناً في بيروت. لكن إذا استمرّت هذه الحال لشهرين أو ثلاثة أشهر، فستتسرّب رواسب النفايات وجراثيمها إلى المياه الجوفيّة، مع كميّات الأمطار الكثيرة التي ستتساقط في فصل الشتاء، وتالياً ستتلوّث المناطق الزراعيّة الساحليّة التي تُروى من هذه المياه. راهناً ما زالت كميات المياه المتساقطة أقل من 300 ميليمتر، وما زالت الأرض جافة وقادرة على امتصاصها ومنع تسرّبها إلى طرقات المياه الجوفيّة".


أثر النفايات على التربة
وعن وصولها إلى المناطق الزراعيّة الجبليّة والداخليّة من خلال الأمطار يقول: "هناك بعد جغرافي بين الساحل من جهة والجبل والداخل من جهة أخرى، وهناك احتمال ضئيل جداً أن تحمل الأمطار الملوّثات الناتجة عن النفايات إلى هذه المناطق، إذ عندما تتبخّر مياه البحر وتتشكّل الغيوم المحمّلة بالأمطار تكون نظيفة وخالية من الملوّثات والجراثيم، كما أن وجهة تساقطها تكون من الجنوب الغرب إلى الشمال الغرب، ما يعني أنها لن تصل إلى المناطق الزراعيّة الأساسيّة في لبنان، وتالياً خطرها محصور في أماكن انتشارها وعلى الناس والأنهر والبحر".


تتواجد النفايات في كلّ المناطق اللبنانيّة حتى قبل إقفال مطمر الناعمة – عين درافيل. مجرى نهر الليطاني تحوّل منذ سنوات كثيرة إلى مكبّ للجِيَف والأوساخ، ولطالما كانت تصبّ فيه مياه الصرف الصحيّ من كلّ مناطق البقاع، بحسب ما يشير افرام، ويقول: "الوضع في البقاع ليس أفضل من الوضع في بيروت، ويعود ذلك إلى سنوات سابقة نتيجة التلوّث الذي يفتك في لبنان. أمّا فيما يتعلّق بالنفايات فمن الصعب انتقال مخاطرها إلى المناطق الزراعيّة البعيدة منها، وتنسحب خطورتها على كونها مكشوفة وغير مطمورة، وتتعرّض للهواء والشمس والأمطار، فتتخمّر وتتكاثر عليها الجراثيم والبكتيريا، التي تجذب الحشرات والقوارض وتنقل بدورها الأمراض إلى الإنسان، إضافة إلى اختلاطها بالمياه ووصولها ملوّثة إلى المنازل".


ويختم افرام: "محيطنا وما يحتويه هو عنصر أساسي للتسبّب بالأمراض السرطانيّة وغير السرطانيّة، سواء لناحية الانبعاثات الخارجة من فوهات المعامل المتواجدة منذ سنين، أو لناحية الانبعاثات الناتجة عن حرق النفايات الحديثة العهد، والتي زادت نسبة التلوّث الموجودة أصلاً".


إذاً، شهران أو ثلاثة على أبعد تقدير قبل أن يُدقّ ناقوس الخطر الحقيقي في لبنان في حال استمرّت الأزمة، التي ستفاقم التلوّث وتزيد من هموم المواطن ومشكلاته. شهران ستحوّلان جحيم اللبناني المجازي إلى جحيم فعليّ إذا بقيت النفايات مكدّسة على الطرقات.