"شو صار بالزبالة؟"... الخطة "تستنجد" بـ"حزب الله"

منذ تموز الماضي، ونحن نعيش مع " الزبالة". كاد الواقع اللبناني يتحول قصة تكتب عن "تخبطّنا" في ملف معيشي اساسي، الى حدّ العجز التام.


اكثر من مفارقة تسجلّ، من باب الانتقاد السلبي طبعا، لاداء حكومي – رسمي تجاه قضية لامست اللبناني في مأكله وشربه ونومه، لا بل في نوعية حياته ككل. ربما تكاد مشكلة النفايات من المشاكل الوحيدة التي تتصل الى هذا الحدّ بحياتنا وتطال كل نفس.
"اليوم شو صار بالزبالة؟": سؤال يتردد على كل شفة ولا ندري الجواب.
مبدئيا، لا يزال وزير الزراعة اكرم شهيب ينتظر اعلان ساعة الصفر للانطلاق، وفق الكلام الاخير له من ان " فاعليات البقاع الشمالي ابدت تعاونا باقتراح اكثر من موقع تعمل اللجنة الفنية على دراسته بيئيا وجغرافيا، قبل ان ترفع التقرير بتحديد الموقع المناسب للطمر، وان العمل لا يزال ساريا لتذليل العقبات من امام مطمر سرار"، وسط معلومات تشير الى ان "حزب الله" قرر تسهيل المهمة عبر اختيار موقعين بقاعا، لاختيار احدهما مطمرا، على ان يتخذ قرار اليوم خلال اجتماع للجنة النفايات برئاسة الرئيس تمام سلام.
اما عمليا، فلا شيء على الارض حتى الساعة، سوى الزبالة. في سرار، الكثير من العقبات. في الناعمة، الكثير من الرفض والغضب. وفي البقاع، لا يزال المعنيون يدرسون الخطط... ويضعون الدراسات.
وسط كل ذلك، نحن نغرق في النفايات. المدارس فتحت ابوابها. الامطار هطلت، وربما ستتساقط الثلوج والزبالة لا تزال على طرقنا و"تزين" قممنا.
مرّ الصيف وها هو الشتاء يطل والقاسم المشترك بينهما اكوام النفايات.


قصة الزبالة


حكايتنا مع النفايات شابتها الكثير من المفارقات.
في البدء، ضاع المعنيون في مقاربة المسألة المستعصية، و"طافت" الاقتراحات من كل حدب وصوب، وبات كل وزير يغرّد على طريقته من دون افق او مسؤولية، لانهم لا يريدون تحمل المسؤولية. الى ان رسى الامر اولا على لجنة وزارية، لم تنتج اي عمل سوى ان قرّر وزير البيئة محمد المشنوق "الاستقالة" فقط من ملف النفايات، بعدما فشل في مقاربة المسألة، فيما بقي يزاول عمله في وزارة البيئة، ويقبض معاشه، ويوقع مراسيم فتح كسارات ولو في محميات. كل ذلك، وشوارعنا تطوف يوما بعد يوم في الزبالة.
مرت الايام، فتسلّم شهيب المهمة. وهنا، تعددت الاقتراحات ضمن الخطة الوزارية الموعودة. تارة، لم يعد المصنع مكانا صالحا للطمر ومؤهلا لاستقبال النفايات. وطورا، لا تزال الدراسات توضع من اجل تحديد الاماكن المناسبة. الى ان رسى الامر، وعبر لجنة خبراء ساندت الوزير في عمله، على اماكن ثلاثة : سرار، والناعمة فيما بقي البحث جاريا على مطمر في البقاع. وكالعادة، غابت الاقتراحات عن الجنوب...!
حتى اللحظة، تتجه الانظار الى اجتماع يعقد اليوم للجنة النفايات، لبت الامر في احد المكانين الذين اختيرا في البقاع، وان كانت بعض العراقيل الميدانية تتلاحق في سرار.
وفي هذه اللحظة، توقف عمل لجنة الخبراء الى حدّ ما، على ما تقول اوساط اللجنة لـ"النهار"، وتضيف: " تحوّل العمل نحو الحكومة".
وهنا، معضلة اكبر.


اين الحكومة؟


الحكومة شبه معطلّة، الى حد الحديث عن استقالة. حتى جلسة يتيمة للبحث في النفايات تكاد تصبح في خبر كان. والمؤسف اننا عدنا الى نقطة الصفر عبر استرضاء هذا الحزب او ذاك لاختيار موقع لطمر زبالتنا. "حتى في الزبالة يسترضونهم!"
وفي هذا المجال، يكشف الوزير عبد المطلب الحناوي لـ"النهار" ان "تصعيد رؤساء احد الكتل لن يصل الى حدود عدم حضور جلسة حكومية مخصصة للنفايات، وفي الاساس، حتى لو لم يحضروا فهم ابلغوا انهم موافقون على خطة النفايات، ولن يعرقلوا".
ويشير الى ان "الدعوة الى جلسة حكومية رهن اجتماع لجنة النفايات اليوم وامكان التوصل الى اتفاق على مطمر في البقاع. فاذا سارت الامور كما يجب، يمكن للرئيس سلام الدعوة الى جلسة قريبا".
وفيما لا يتخوّف الحناوي من تعطيل الجلسة المخصصة للنفايات، قائلا: "ان امر مشاركة البعض بات محسوما"، يتوقف عند مشكلة استدامة الحكومة، فيلفت الى " احد رؤساء التكتلات (في اشارة الى النائب العماد ميشال عون) ربط مشاركته في الحكومة بتعيين قائد للجيش، وبالتالي هو يرهن قرار المشاركة في التعيينات الامنية، وهنا نسأل ماذا عن مصالح الناس الاخرى المتعلقة باقرار الهبات او بالرواتب والامور الحياتية الملحة".
وفق الحناوي الحل موجود: " الدعوة الى جلسات حكومية بمن حضر، شرط ان تكون ميثاقية ودستورية، اي في مشاركة كل الطوائف وحضور الثلثين".


عرقلة وحل


وسط مأزق النفايات. المطلوب بسيط جدا، ان تأخذ البلديات المبادرة وتحفز الفرز من المصدر، الى حد امكان فرض العقوبات. والحل البسيط هذا يمكن اعتماده اليوم قبل الغد. وهنا السؤال، لماذا لا احد يتكلم عن الشركات المتخصصة باعادة التدوير، والتي يصل عددها الى حدود المئتين! ولماذا لا يعمل على البدء بخطوة الفرز اليوم وليس بعد سنة ونصف سنة او سنتين، كما اقترحت خطة شهيب، ما دام الفرز هو الحل النهائي والطويل الامد؟!
وبعيدا من الالاعيب السياسية والعراقيل التي وصلت اليوم الى حدود عمل الحكومة، بات التخوّف جديا من امكان "الاطاحة" بخطة شهيب كلّها، اذا لم تصل الى حدود التطبيق. فما قيمة الخطة اذا عجزت الوزارات المعنية عن تطبيقها وبقيت تدور في حلقة استرضاء الاحزاب؟.
امام هذا الواقع، المطلوب واحد. ينطلق رئيس "الحركة البيئية اللبنانية" بول ابي راشد من ان " العرقلة الحالية هي نتيجة للخيار السيء".
ويقول لـ"النهار": "ما دمنا لا نزال نقترح المطامر، فان لا احد سيقبل. ومن حق المناطق ان ترفض. الكرة من اللحظة الاولى في ملعب السلطة، الا ان الاخيرة لا تريد ان تعمل".
ويؤكد ان " العمل توقف حاليا مع شهيب، بعد الاجتماعات الاخيرة التي عقدها الحراك المدني اثر تقديمه الخطة البديلة، لان العقبة الاساسية اليوم هي في الصراع السياسي وسيطرة منطق الصفقات".
ويعود الى طرح عملي بسيط يمكن البدء بتطبيقه غدا، وهو " تجميع نفايات بيروت وجبل لبنان العضوية في الكرنتينا والعمروسية ونقلها لاحقا الى موقع في البقاع، مستعد صاحبه ان يستقبلها مقابل 10 دولار فقط على الطن. اما النفايات الاخرى القابلة للتدوير، فعلى البلديات ان تجمعها وتحولها الى الشركات المتخصصة والتي تنتشر في اكثر من منطقة".
نعم. بهذه البساطة، تحلّ مشكلة النفايات. باختصار، المعادلة واضحة: اوقفوا الصفقات واتركوا الشركات المتخصصة تعمل، وافرجوا عن اموال البلديات وعاقبوا البلديات التي لا تريد ان تعمل، تصبح النتيجة حتمية: شوارع بلا نفايات.
وبعدها، عالجوا حساباتكم السياسية بعيدا عن ملف النفايات، لان اللبناني لم يعد يستطيع تنشق "هوا الزبالة".


 


manal.chaaya@annahar.com.lb 
Twitter:@MChaaya