حضر القيصر... كيف يتصرف المرشد ؟

امين قمورية

بادرت #طهران الى الاشادة بعرض القوة الذي يقوم به الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين في الاجواء السورية وفي الاجواء المجاورة. ووصفت وزارة الخارجية الايرانية هذا التحول العسكري بأنه "خطوة الى الامام في مجال مكافحة الإرهاب وحلّ الازمة المستعصية في المنطقة".


وتشير الزيارات الأخيرة لموسكو التي قام بها مسؤولون ايرانيون كبار ولا سيما مستشار المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الدكتور علي اكبر ولايتي وقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري ونائب وزير الخارجية عبد الحسين اللهيان، الى درجة كبيرة من التعاون، الذي ترجم خصوصا بإقامة غرفة عمليات مشتركة روسية ايرانية عراقية سورية في بغداد.


وهذا الامر ليس جديدا، اذ عكست مواقف موسكو وطهران من الأزمة السورية مدى تقارب الرؤية والسياسات بين البلدين حول قضايا المنطقة ورفض اي تدخل غربي في سوريا قد يكون مقدمة‮ "‬لصوملتها‮" ‬وتفتيتها على غرار ما حصل في ليبيا.‬ انطلاقا من ذلك، رفضت الدولتان بشكل قاطع أي تدخل خارجي مباشر أو‮ ‬غير مباشر في الأزمة السورية، واستخدمت موسكو الفيتو داخل مجلس الأمن ثلاث مرات للحيلولة دون ذلك، وهي تتشارك مع إيران في اعتبار أن ما يحدث في سوريا هو‮ "‬نزاع داخلي مسلح‮"‬،‮ ‬أو حرب أهلية، وأن الرئيس السوري بشار الأسد لا يتحمّل وحده مسؤولية العنف،‮ ‬وإنما يتحمله الطرفان، السلطة والمعارضة‮. ‬كما أكّدتا أن النزاع ليس فقط بين النظام والمعارضة، وأن هناك ما يسمي بـ‮ "‬القوة الثالثة‮"‬،‮ ‬وهي تنظيم‮ "‬القاعدة‮" ‬وتنظيمات إرهابية مقرّبة منه‮ - ‬مثل‮ "‬جبهة النصرة‮"‬،‮ ‬وتنظيم‮ "‬الدولة الإسلامية في العراق والشام‮" (‬داعش‮) الذي تنامى نشاطها على نحو ملحوظ،‮ ‬وصار يهدد ليس فقط سوريا،‮ ‬وإنما الأمن الإقليمي عموما‮. ‬


وقد أكدت روسيا أهمية مشاركة إيران، إلى جانب السعودية، في مؤتمر‮ "‬جنيف‮ ‬2‮" ‬الدولي حول سوريا، وضرورة أن يكون هناك تمثيل لكل الدول التي تؤثر في مختلف أطراف الأزمة في سوريا،‮ ‬ومنها إيران‮. ورأت أن رفض الولايات المتحدة والسعودية مشاركة إيران وغيابها عن المؤتمر يعيق التوصل إلى تسوية عادلة ونهائية للأزمة‮.


وليس خافيا على احد ان النظام السوري لم يكن ليصمد خلال السنوات الخمس الماضية لولا الدعم الايراني، الا ان التأثير الاساسي في قرارات النظام السوري وأفعاله كان للايرانيين، لدرجة ان المعارضة السورية وصفت الوجود الايراني بـ"الاحتلال" نظرا الى كثافة وجود الخبراء والمستشارين الايرانيين الى المليشيات الشيعية الاجنبية او المحلية الموالية لإيران في مناطق النظام، والانباء عن تحكم طهران بالقنوات المالية السورية ومقايضة المساعدات بعقارات وأصول. وفي الوقت عينه تجاهلت حكومة دمشق الكثير من النصائح الروسية في شأن قضايا معينة كانت موسكو تعهّدت بجعل النظام السوري يوافق عليها خلال لقاءاتها مع الاطراف الدوليين. ومع ذلك واصلت موسكو تزويد النظام بالسلاح والدعم السياسي دعما لمصالحها في سوريا، ولعلمها ان المعارضة إن تمكّنت من إسقاط النظام لن تسمح بأي وجود لروسيا بعد موقفها السلبي من الثورة السورية.


والآن، بمقدار ما يظهر التدخل الروسي مستنداً إلى تنسيق عميق مع إيران، وتغطية شكلية من "شرعية" يدّعيها النظام، بمقدار ما يبدو هذا التدخل إقراراً بعجز طهران ودمشق، أولاً عن حسم الصراع عسكرياً، وثانياً عن استدراج مساومة دولية وتسريعها للحصول على صفقة مبكرة تضمن لهما حلاًّ مقبولاً. ولأن أي ترتيبات تمسّ بالجغرافية السورية صارت تتعلّق أيضاً بالوضع الإقليمي عموماً، فإن الاميركيين يفضلون بحثها مع الروس لا مع الإيرانيين وحدهم. وفي أي حال يرى مراقبون أن التدخل الروسي ألقى ظلالاً على الدور الإيراني الكبير في سوريا، ليس فقط لأنه اضطرّه لاعتراف غير مباشر بمحدودية نفوذه "الامبراطوري"، أو لأنه فعّل شركة أخرى يراهن عليها النظام، بل خصوصاً لأن الدور الروسي ازداد أهمية أخيراً لارتباطه بتفاهمات ولو محدودة مع أميركا، وكذلك مع دول عربية، وكذلك لأن روسيا تعمل بخطتها ولأهدافها التي قد تلتقي مع بعض وليس كلّ أهداف إيران والنظام.


وفي سياسة التحالفات ، فإن الشركاء الأكثر تأثيراً هم أولئك القادرون والراغبون في المساهمة في القدرات الأساسية وتخصيص قوات للمشاركة في أخطر المهمات. فروسيا التي نشرت قواتها في الميدان، أرسلت أيضاً مجموعة من المروحيات الهجومية والقاذفات التي يمكن أن توفر الدعم لقوات الأسد المحاصرة في جميع أنحاء سوريا. ومن الصعب جداً أن توفّر إيران مثل هذا الإسهام، حيث تملك عددًا قليلاً جداً من الطائرات القديمة التي تم شراء معظمها في زمن الشاه. كما يتمثل الموقف العسكري الايراني بحالة من حرب دفاعية وغير متناظرة، وليس وضعًا يعكس القدرة على استخدام القوة مثل موسكو. وحتى الآن، نشرت طهران في الغالب ولا تزال تنشر، قوات غير قتالية في سوريا - كمستشارين ومدرّبين ومرشدين، انخرطوا على جميع مستويات آلة حرب الأسد - في حين أن عناصر "حزب الله" والميليشيات الأخرى التي تدعمها إيران هم الذين شاركوا في معظم العمليات القتالية.


كما أن روسيا هي في وضع أفضل للإفادة من دورها العسكري على الساحة الديبلوماسية، كما تبيّن من اجتماع بوتين المطوّل مع الرئيس أوباما في نيويورك. وفي حين لا تزال إيران تُظهر موقفًا متحديًا تجاه واشنطن، وتتورط في مواجهة إقليمية مع السعودية، أظهرت روسيا استعدادها للانخراط في تسوية ومحادثات مع دول غربية وإقليمية حول الأوضاع في سوريا (وإن كان ذلك من دون جدوى حتى الآن). وعلاوة على ذلك، تدرب العديد من الضباط البعثيين العلمانيين - الذين يشكلون العمود الفقري للنظام السوري - في المعاهد العسكرية السوفياتية ثم الروسية، كذلك اعداد كبيرة من الكفايات العلمية والادارية الروسية. وكثيراً ما تزوّجوا من روسيات، لذلك فإن هؤلاء قد يفضّلون مؤيديهم الروس على مناصريهم المرهقين من الجمهورية الإسلامية. وتاليا، فعلى رغم الارتياح الذي تبديه طهران حيال التدخل الروسي، فإن وجود روسيا في سوريا (وإلى حد أقل في العراق) يشكل تحدياً لنفوذ إيران، سواء حول سير الحرب أو في شأن التوصل إلى تسوية نهائية، عندما قد تتباين المصالح الروسية والإيرانية.


وربما تشاطر طهران الحكومة الروسية الاعتقاد بأن لا نجاة لنظام الأسد ما دام محسوبًا على حلفها المذهبي، ولإنقاذه لا بدّ أن تتوارى ايران قليلًا مُفسحة المجال للروس لتصدر المشهد، لكنها بالتأكيد غير غافلة عن كون النقاط التي سيسجِّلها الروس هناك هي على حسابها، ولا بد أن الطرفين اتفقا على نوع من التقاسم الوظيفي على الساحة السورية، بحيث تواصل إيران تنمية قطاع الميليشيات المرتبط بها، ولكن بعيدًا عن الأضواء، بينما تتولى روسيا ترميم الجيش النظامي وإعادة تأهيله. لكن منطق الصراع على النفوذ في الحيّز السوري الضيق، سيقود حتمًا إلى تدافع أو تصادم بين القوتين، بيد أن طهران ستصبر كحائك السجاد حتى ينجلي غبار المعركة، فإن انتصر الروس تقوَّت بهم على الإقليم كله، وإن هُزموا ومعهم الأسد، فإن خيارها البديل المتمثل بالميليشيا الطائفية، سيكون جاهزًا.