إن لم يكن الفلسطينيون فإذاً السوريون؟

فيفيان عقيقي

منذ عام 2011 وأعداد النارحين السوريين في ازدياد على الأراضي اللبنانيّة هرباً من الحرب الدائرة في بلادهم. ومع اشتداد المعارك وتمدّدها في محافظات عدّة واستمرارها من دون وجود بوادر أمل في انتهائها قريباً، بلغ عدد النازحين في لبنان وحده، مليون و130 ألفاً، بحسب الأرقام الأخيرة الصادرة عن المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتّحدة. وبين اتهامات العنصريّة التي طاولت المعترضين على تدفق النازحين على الحدود بطريقة غير منظمّة ولا شرعيّة ولا مضبوطة، وبين التبعات التي ألقيت على كاهل الدولة اللبنانيّة حكومة وشعباً، وحدها المنظّمات والجمعيّات الدوليّة استفادت من قضيّتهم بعدما تحوّل السوريون الهاربون من القتل والقصف والذبح والدمار إلى دجاجة تبيض ذهباً.


أرخى الوجود السوري في لبنان بظلاله على الحياة الاجتماعيّة والدورة الاقتصاديّة، وزادت نتيجته الهواجس الأمنيّة لكون أغلبهم من لون سياسي واحد معادٍ للنظام وتالياً لنصف الشعب اللبناني الذي يرى في بقاء الأسد ضمانة لبلدهم في وجه الخطر التكفيري، إلى أن برز أخيراً حديث عن نيّة في توطينهم، وهو ما قد يُحدث حتماً تغييراً في التركيبة المجتمعيّة اللبنانيّة، ويقلب موازين القوى في البلاد التي تقف على هاوية الانفجار الطائفي المذهبي والسياسي المنقسم عمودياً.


تحذّر وزارة الخارجيّة والمغتربين منذ أكثر من سنتين من الأخطار المحدقة بالكيان اللبناني نتيجة النزوح السوري، وتطالب بإنشاء مخيّمات للنازحين في مناطق حدوديّة آمنة داخل الأراضي السوريّة. وبحسب مصادر ديبلوماسيّة لـ"النهار" فقد دقّت الوزارة ناقوس الخطر استناداً إلى وقائع وإشارات وتحذيرات وتوجيهات وسياسات تمارسها جهات عدّة في تعاطيها مع ملف النازحين، بدءاً من إضعاف الدولة ونأيها بنفسها عن الأزمة بداية وإحلال الجمعيّات الدوليّة مكانها، بناء مخيّمات مستدامة، تمنّع النازحين عن تسجيل الولادات الجديدة، إضافة إلى الضغوط الأوروبيّة التي تمارس لتشريع لجوء السوريين في لبنان.


ماذا يعني عدم تسجيل الولادات السوريّة قانوناً؟ تؤكّد مصادر متابعة للملف لـ"النهار" أن عدم تسجيل الولادات السوريّة هو نواة لمشروع توطين، والإتيان بأشخاص ستُجبر الدولة اللبنانيّة، يوماً ما، على إعطائهم جنسيّتها. وتتابع المصادر: "عندما يولد أطفال أجانب في المستشفيّات اللبنانيّة، يُعطى أولياء أمرهم شهادة ولادة مرفقة بإفادة من الطبيب وفق القوانين اللبنانيّة، ثمّ يتوجّهون إلى مختار المنطقة التي يسكنون فيها للاستحصال على وثيقة ولادة، وبعدها عليهم التوجّه إلى سجلات نفوس الأجانب لتسجيل الولادات رسمياً والحصول على الوثائق الثبوتيّة".


بسبب الحرب السوريّة والصعوبات التي واجهت النازحين سواء في التنقل، أو ضياع أوراقهم الثبوتيّة، أو خوفهم من انفضاح هويتهم بسبب مواقفهم السياسيّة المناهضة للنظام، طلبت المنظّمات الدوليّة والمدنيّة من وزارة الداخليّة والبلديات اللبنانيّة عدم التشدّد في شروطها لتسجيل الولادات السوريّة الحديثة وتسهيل المعاملات. استجابت الوزارة قدر المستطاع، إلى أن وصلت الأمور إلى حدّ طلب تسجيل السوريين من دون أي ورقة ثبوتيّة، فرفضت الأمر احتراماً للقوانين، خصوصاً أن كلّ السوريين النازحين لديهم سجلات في سوريا ومن السهل معرفة هويتهم من دون تعريضهم للخطر.


نتيجة ذلك، وصل عدد المواليد السوريين غير المسجّلين في سجلات اللاجئين إلى 50 ألف شخص، مما دفع وزارة الخارجيّة والمغتربين إلى التحذير من هذا الوضع. فبعد انتهاء الحرب السوريّة سيعود النازحون إلى بلادهم، لكن الطفل الذي ولد في لبنان، ولم يسجّل في سجلات نفوس الأجانب، ولم يحصل على أوراق ثبوتيّة رسميّة، لن يتمكّن من العودة مع أهله، كونه عديم الجنسيّة، ما يعني بقاءه برفقتهم وتوطينهم وجعل إقامتهم مستدامة على الأراضي اللبنانيّ. وتضيف المصادر: "القانون الدولي وشرعة حقوق الطفل اللذان يلتزم بهما لبنان، يُجبران الدولة على إعطاء جنسيّة للأطفال الذين يولدون على أرضها، لا مجرّد أوراق ثبوتيّة تفيد بأنهم مكتومو القيد الذي يُعدّ مخالفة للقانون الدولي ويُعاقب عليها لبنان".


ما هي الحلول التي تقدّمها مفوّضيّة اللاجئين؟ تقدّم المفوّضيّة ثلاثة، الأوّل يقضي بإعادة توطينهم في دولة ثالثة غير تلك التي نزحوا إليها، وهو حلّ رمزيّ نظراً للأعداد الضئيلة التي استفادت منه، ففي العام 2011 أعيد توطين 12 نازحاً سورياً من لبنان، وارتفع العدد إلى 4905 في 2014، فيما تسعى المفوّضيّة في لبنان إلى إحالة 9000 نازح سوري على دولة ثالثة في 2015. ينصّ الحلّ الثاني على اندماجهم في المجتمعات التي نزحوا إليها، وهو ما تفسّره مصادر ديبلوماسيّة لـ"النهار" بتجنيسهم الأمر المرفوض في الدستور اللبناني، أو اعتبارهم لاجئين وتوطينهم ما يرتّب على الحكومة أعباءً اقتصاديّة إضافيّة. أمّا الحلّ الثالث والأكثر مثاليّة فيكمن في إعادتهم إلى مناطق آمنة في بلادهم مع المحافظة على كرامتهم.


إلى ذلك، تتخطّى نسبة الولادات في المجتمعات السوريّة الـ38% سنوياً وفق التقرير الصادر عن شركة EGC والذي طلبته الأمم المتّحدة وموّلته. فيما تؤكّد المسؤولة الإعلاميّة في مفوّضيّة اللاجئين، ليزا أبو خالد، لـ"النهار"، أن نسبة الأولاد السوريين غير المسجّلين في سجلات نفوس الأجانب تبلغ 70% من نسبة المولودين في لبنان، بحيث يمتنع النازحون عن تسجيل أولادهم لأسباب عدّة منها عدم معرفتهم آلية التسجيل، وبسبب الإجراءات الكثيرة المطلوبة، وبسبب أوراقهم الناقصة أو المفقودة. وتضيف: "نقوم بحملات توعية مع الوزارات المعنيّة التي تتعاون وتسهّل الإجراءات لتشجيع السوريين على تسجيل أولادهم ليتمكّنوا من الحصول على هويّة ولئلا يتحوّلوا إلى مكتومي القيد".


كيف يتمّ التعامل مع غير المسجّلين؟ بعدما تكدّست طلبات تسجيل الولادات في مفوّضيّة النازحين، باشرت الأخيرة ولدواعٍ إنسانيّة بحتة وداخليّة تنظيميّة في إضافة حديثي الولادة إلى لوائح آبائهم من دون تسجيلهم رسمياً في سجلات نفوس الأجانب في وزارة الداخليّة، وذلك لتسهيل عمليّة توزيع المساعدات عليهم، وفق ما تؤكّد مستشارة وزير الشؤون الاجتماعيّة في الشؤون الإنسانيّة والدوليّة هالة حلو لـ"النهار، وتضيف: "وزارة الشؤون تعني بحماية الأطفال وصون حقوقهم، لا تسجيلهم رسمياً في سجلات نفوس الأجانب التي هي من صلاحيّة وزارة الداخليّة. لذلك لجأنا مع مفوّضية اللاجئين إلى إضافة أسماء الأطفال المولودين حديثاً إلى لوائح وملفات آبائهم ليستفيدوا من التقديمات الاجتماعيّة والإنسانيّة، شرط أن يكون الطفل مولوداً في لبنان، وأهله سوريين ومسجّلين في المفوضيّة، كما نعمل على توعيّة الأهالي لتسجيل أولادهم رسمياً ليتمكّنوا من اكتساب الجنسيّة السوريّة وحقوقهم المدنيّة، وكي لا يتحوّلوا يوماً ما إلى مكتومي القيد ويشكّلوا عبئاً على الدولة اللبنانيّة".


التوطين مرفوض في الدستور اللبناني، والتجنيس معلّق منذ عقود لما له من تبعات اجتماعيّة واقتصاديّة وأمنيّة وسياسيّة تهدّد الكيان والتركيبة اللبنانيّة، فيما يبقى الحلّ الأنسب، هو ما طالب به وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل، ويكمن بإعادة النازحين إلى مناطق آمنة داخل سوريا، والمضي في تسجيل الولادات الحديثة هرباً من توطين مقنّع. جدليّة ستبقى قائمة في ظلّ غياب أي جديّة في التعاطي مع الملف.


Viviane.Akiki@annahar.com.lb


Twitter: @VIVIANEAKIKI