المسجد الأقصى على خطى "الإبرهيمي"!

معتصم حماده

في 28/9/2000 اقتحم آرييل شارون المسجد الأقصى فاشتعلت انتفاضة مسلحة دامت حتى شباط 2015، حين اتفق الرئيس الجديد محمود عباس، مع شارون، رئيس حكومة إسرائيل آنذاك، على وقف شامل "للعنف" توقفت على أثره أعمال الانتفاضة دون أن تتوقف في المقابل الأعمال العدوانية لقوات الاحتلال.


منذ أسابيع ومجموعات الإسرائيليين اليهود يقتحمون الأقصى، في ظل حماية جيش الاحتلال، وتتجه حكومة نتنياهو، لفرض روزنامة زمنية لزيارة الأقصى، تتوزع بين المسلمين، واليهود، تمسكاً بالأسطورة التوراتية التي تتحدث عن وجود "الهيكل اليهودي" تحت المسجد.
ردود الفعل الفلسطينية على الاعتداءات اليومية على الأقصى - إذا ما استثنينا مواقف أبناء القدس ــ لم تتجاوز حتى الآن إصدار بيانات الشجب والاستنكار، دون أن تتعدى ذلك نحو سلوك عملي يحمي واحدة من أهم المؤسسات الإسلامية من خطر التهويد.
البعض يفسر خمود ردود الفعل في الشارع الفلسطيني، خاصة في الضفة والقطاع، باهتراء الحالة الفلسطينية وتمزقها وإغراقها بالعديد
من الهموم الضاغطة، التي ساهمت في تخدير المشاعر السياسية لدى صف واسع من المواطنين. ففي غزة، تحتل قضايا الحصار، وإعادة الإعمار، وانقطاع الكهرباء، والبطالة، والافتقار إلى مياه الشرب، فضلاً عن صراعات الانقسام، وتداعياته الأمنية، ... موقعاً ضاغطاً في اهتمامات المواطنين طغت حتى على باقي الاهتمامات، وحولت الهم الوطني إلى هموم جزئية، تشكل في مجموعها همّ القدرة على العيش في ظروف أقل قسوة.
أما في الضفة فتأخذ الأمور أبعاداً أكثر خطورة تتمثل في نجاح السلطة، منذ اجتياح العام 2002، في إعادة صياغة الأجهزة الامنية، وفقاً
لمقاييس "محايدة" إزاء سلوكات الاحتلال، وممارساته، بتوجيه وإشراف مباشرين من المندوب الأميركي الجنرال دايتون. كما نجحت في تدجين صف واسع من أبناء الفئات الوسطى الفاعلة والنشيطة سياسياً،
عبر توظيفها في مؤسسات السلطة مقابل مرتبات مغرية وامتيازات ساهمت في تخدير المشاعر لمصلحة اهتمامات ذات منحى استهلاكي. أما في المخيمات، حيث كانت تنتشر مجموعات المقاومة المسلحة، فقد نجحت السلطة في تجريدها من سلاحها، وتسوية أوضاعها مع سلطات الاحتلال، التي استكملت الخطوة باعتقال العناصر الفاعلة، والزج بها في السجن، ما أضعف الحالة الشعبية وأفقدها مفاصلها وعناصر النشطة.
إلى ذلك لعبت مؤسسات "العمل الأهلي" دوراً مؤثراً في استقطاب صف واسع من المثقفين الذين باتت مصالحهم الفردية تحتل مكاناً متقدماً في حساباتهم السياسية، خاصة في ظل حالة يأس من إمكان إخراج النظام السياسي الفلسطيني من مستنقعه واستعادته نحو طريق بديل.
لم تندلع انتفاضة جديدة ويقف الأقصى وحيداً، كما يتبدى لنا، فلا رد فعل فلسطينياً، ولا عربياً، ولا إسلامياً، ما ينذر بمصير شبيه بمصير الحرم الإبرهيمي، بحيث يتم تقسيمه بين اليهود والمسلمين، تحت شعار "حرية العبادة للجميع"!


كاتب فلسطيني