"البندقية ٧٢" - "الحدث" لسرغي لوزنيتسا: الأرشيف ينطق شعراً

الاوكراني سرغي لوزنيتسا. هذا الاسم قد لا يعرفه الكثيرون، الا انه لواحد من ألمع سينمائيي الأفلام الوثائقية في العالم. كلّ جديد له ينطق شعراً واحساساً بالمكان والزمان، وهما شرطان أساسيان لكلّ وثائقي تواق الى كشف تفاصيل عن حياة البشر ونقلها الى الشاشة المستطيلة. بعد "ميدان" الذي عُرض في مهرجان كانّ العام الماضي (عن حوادث أوكرانيا في العام ٢٠١٣)، يعود لوزنيتسا الى هوايته المفضلة ضمن الأفلام المعروضة في الدورة الثانية والسبعين لمهرجان البندقية السينمائي (٢ - ١٢ أيلول): حياة البشر المقهورين في لحظة تاريخية، لحظة انتقال روسيا الى مرحلتها الديموقراطية، سيكون هناك بالنسبة إليهم ما قبل تلك اللحظة وما بعدها. من خلال فضوله الفطري في استجواب التاريخ عبر صور الأرشيف، يضع مخرج "في الضباب" فيلماً كاملاً على الرغم من انه لم يصوّر مشهداً واحداً منه.


كلّ شيء يبدأ في الصيف من العام ١٩٩١. مجموعة من الشيوعيين المتشددين يحدثون انقلاباً لإسقاط الاتحاد السوفياتي الذي استمر حكمه منذ ٧٠ عاماً. بعد فترة قليلة من هذا الذي يعرفه لوزنيتسا باعتباره "الحدث" (عنوان الفيلم - يُعرض خارج المسابقة)، ينهار الاتحاد السوفياتي، ويُرفع العلم الروسي ذو الألوان الثلاثة. وفي حين كان الانقلابيون يحتجزون غورباتشيوف، كانت التلفزيونات والاذاعات التابعة للدولة، تبث "بحيرة البجع" لتشايكوفسكي بدلاً من نشرة الأخبار.


في غفلة من التاريخ، يجتمع الآلاف في لينينغراد (سان بطرسبرغ حالياً)، للمطالبة بدولة ديموقراطية يقودها بوريس يلتسين. ما يقدمّه لوزنيتسا هنا هو مونتاج بارع مؤلف من أرشيف بالأبيض والأسود، أرشيف باهر يُعتبر استخدامه امتداداً لما بدأه المخرج في فيلمه "بلوكادا". وجوه كثيرة، قلقة، يائسة، مقموعة بعد سنوات من الاحتجاز لحريتها. "الحدث" فيلم يمعن في التفاصيل الصغيرة الموحية، حيث ينطوي تلاحق الصور على ادراك بالغ للسينما كآداة تغيير. لا يخفي لوزنيتسا وقوعه في سحر سان بطرسبرغ، والمكانة التي تحتلها في قلب عمله. يقول في مقابلة صغيرة، إنه اراد من خلال هذا الفيلم إزالة كلّ الميثولوجيات التي ألقت بظلالها على الحدث الفعلي وحالت آنذاك دون كشف الحقيقة المتعلقة بالناس. ليس السياسون هم الذين يهتم بهم لوزنيتسا بل البشر، وقد وجد في هذا الفيلم المسافة اللائقة، زمناً وفكراً، للحديث عنهم.