لماذا ارتفعت نسبة الجرائم في لبنان؟

رمزي مشرفية

لا يوجد بلد في العالم في منأى عن الجريمة وإن تفاوتت بين دولة وأخرى، فالجريمة التي خُلقت مع البشر تكاد تكون كالخبز اليومي في حياتنا، إذ لا يمر يوم إلا ونسمع عن جريمة هنا أو هناك في #لبنان أو في اصقاع العالم، متفاوتة في بشاعتها وغالباً ما يتم وصفها بالمجزرة.ما تكاد تقع جريمة في أي منطقة من المناطق اللبنانية مهما بعدت من العاصمة، حتى تنشغل الوسائل الإعلامية على أنواعها لا سيما مراكز التواصل الإجتماعي والإعلام المرئي بملاحقتها حتى النهاية، ليس لأن لبنان كان في منأى عن الجريمة وأصبحت ساحته صاخبة بأحداث القتل على أنواعها.فالجرائم تحصل في مختلف البلدان. وإذا عمدنا الى المقارنة بين الجريمة في لبنان والجرائم في مناطق مختلفة من العالم نرى أن نسبتها ، لا تزال أقل بكثير من ناحية عددها والاساليب التي تُعتمد بتنفيذها. فعلى سبيل المثال الجرائم في الولايات المتحدة الأميركية تأخذ منحى في أغلب الأحيان لا يشهده مجتمعنا كمن يُطلق النار في كنيسة أو جامعة أو سوبر ماركت، فنشهد جريمة أعنف وعدد قتلى أكثر مع اسباب لا تكاد تكون قريبة الى مخيلة انسان. وعلى الرغم من كل ذلك تبقى الجريمة في لبنان تستحوذ التوقف عندها وتبقى مرسومة في المخيلة ومنها ما سُجّل وقد يُسجل في المفكرات الإعلامية .


تُسجل منذ مدة ليست ببعيدة أرقام خيالية للجريمة في لبنان الذي لم يعتاد مجتمعه على مثل أنواع هذه الجرائم التي تتوزع على المناطق وإن كثرت في منطقة أكثر من الأخرى، بحسب نسبة الحرمان الذي تعشيه كل منطقة، إذ تزداد الجريمة في المناطق الأشد حرماناً وتخف في مناطق أخرى لا تُعاني نسبة عالية من الحرمان. إلا أن المشكلة تكمن عند المراقبين على ما يبدو في بشاعة الجريمة لجهة تنفيذها وبحق من تُنفذ والأسباب الدافعة للقتل مهما تكن، والتي في أغلب الأحيان تكون الدوافع تافهة لدرجة تجعل الجميع يسأل ألهذا السبب تقع جريمة؟.
وعلى الرغم من أن اللبنانيين قد تخضرموا من خلال الحرب الأهلية وضراوتها، إلا أنهم لا يزال معظمهم يقف عند التقاليد التي تربى عليها، فما أن يترامى الى مسمعه عن حادث ما حتى يتملكه العجب والأسف والإستنكار. كيف لا وإذا عرضنا على سبيل المثال لا الحصر بعضاً من هذه الجرائم التي لا تزال موثقة : والد يقتل ولده في برجا، جريمة تنتفي معها الأسباب. وقبلها في كترمايا أيضا في إقليم الخروب، جريمة رباعية تودي بأخوين من آل ياسين وزوجة أحدهما على يد الصهر الذي إنتحر بعد تنفيذه الجريمة، أما الأسباب فهي خلافات ميراثية.
وفي دوحة عرمون وبتاريخ 30 -7- 2013 عُثر على اللبنانية بسمة زياد عيتاني (26 عاما) زوجة الفلسطيني شادي محمد عابد جثة مطعونة بسكين في منزلها الزوجي في الطبقة الرابعة من مبنى عابد. ومن ينسى مقتل سارة الأمين على يد زوجها برشاش أمام أعين أولادهما في منزلهما في خلدة. ومن ينسى أيضاً المتيم بحبهللبنى، رامي جعفر (23 عاماً) وكيف أطلق النار عليها وسط الطريق في عاليه قبل أن يُقدم على الإنتحار الى جانبها وذلك في 31 ايار الفائت. وإن ننسى لن ننسى كيف أقدم القاصر ع.ف.ع. (14 عاماً) على قتل صديقه الغلام القاصر محمد خضر العاصي في أحراج بشامون بعدما لم يتمكن من إغتصابه.وإن نسي البعض هذه الجرائم فقد لا ينس البعض الآخر كيف رمى ياسر علي صعب بزوجته من على شرفة منزلهما في الطبقة الثانية من "مبنى الفيروز" في دوحة بشامون، الى الحادث الذي وقع في عاليه في 12-نيسان 2014 عندما عُثر على الزوجين مازن جهاد الأعور (36 عاماً) جُثة وعبير معروف غانم (في العقد الثالث من العمر) مصابة بطلق ناري في منزلهما في حي القطايع في المدينة. وطبعاً من ينسى مقتل غسان العيد في محله في دوحة عرمون على يد عصابة تمّ الإيقاع بها بعدما أطلق الضحية النار على أفرادها وأصاب أحدهم قبل أن يُقتل ويُكشف النقاب عن أفراد العصابة. كل هذا ولم نتوقف عند الجرائم المتنوعة الطرق والأساليب من دون الوقوف على الأسباب للسوريين الذين أقدموا على إقتراف جرائم بحق مواطنيهم ولبنانيين، كما أننا لم نأتِ على ذكر أحداث العثور على جثث متفحمة أو معلقة شنقاً أو مطعونة ومحترقة كجثة السوري مهند العسلي الذي عُثر عليه في مستودع لحجارة الغرانيت في السعديات في 14-4-2014. جرائم متنوعة تتوزع بين المادية والسياسية والعاطفية إلا أن معظمها إما بقيت مجهولة الأسباب والدوافع وإما طُويت ملفاتها.
فصول من أحداث حصلت وقد تحصل تحت عنوان التفلت الأمني وعدم المحاسبة وللجوء الى المرجعية السياسية عند وقوع الواقعة في ظل تفشي التعاطي بالمخدرات التي تُسهل كل الحرمات بما فيها القتل.
من جهته استاذ فلسفة الأخلاق والفكر السياسي في الجامعة الأميركية الدكتور وضّاح نصر قال لـ"النهار":" نستغرب الشراسة في الجريمة وفي طريقة إفتعالها في لبنان. وطبعاً ومن البديهي ومن خلال النظرة الأولى، فإن هذا الموضوع يعود الى طبيعة مرتكبه وأخلاقيته وتربيته، كالذي يتعامل مع زوجته بطريقة وحشية معتبراً إياها ملكا من أملاكه قد يستغني عنها في أي لحظة بأن يرميها من على شرفة المنزل أو يقتلها أمام أولادهما".
واضاف:" كنا نتفاخر خلال الحرب الأهلية التي عشناها بغياب للجريمة وبشاعتها أو أقلّه لتدنّي نسبتها مقارنة مع أغلب البلدان. إلا اننا نشهد اليوم تصاعداً في نسبتها وكأن هناك "كارت بلانش" لها. هذا قد يعود الى إستهتار المرتكب لجرم ما الى جانب غياب الرادع لديه والتدني في مستواه الأخلاقي الى جانب اقتناعاته بالقيام أو النيّة الجرمية، وعدم خوفه من المحاسبة أو العقاب الذي قد يواجهه جرّاءما قد يرتكبه وسهولة الهرب والإختباء الى جانب يقينه أن غطاءً سياسياً قد يقيه ما عملت يداه".
وختم:" لعل ما يحدث في المحيط اللبناني من أحداث تكتسب في معظمها منحى #العنف والصخب لتكون إحدى اسباب تطور #الجريمة في لبنان. إلا أن هناك ما يسمّى الرادع الخارجي والوازع الداخلي في الجريمة، فغياب الأول وحضور الثاني يخلق فسحة غير طبيعية عند الشخص الذي عنده الإستعداد للجريمة لأن يفعل ما لا يمكن تصوره".